أدلّة أهل السُّنَّة على علوّ الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه، وهو يدلّ
كذلك على أنَّ الكتاب الذي كتبه كتب فيه على نفسه أن رحمته تغلب غضبه،
وهو عنده فوق العرش، وهذه العنديّة عنديّة مكان؛ لقوله: "فوق العرش"،
وهذا الكتاب يَحْتَمِل أن يكون هو اللوح المحفوظ الذي هو أمّ الكتاب، وهو
كتاب المقادير، ويَحْتَمِل أن يكون غيره، فهو كتاب خاصّ، والله أعلم.
قال: وعلى كلّ فلا يمتنع أن يكون الكتاب المذكور عند الله تعالى فوق
العرش، كما هو ظاهر الحديث، ولا موجب لتأويله بصرفه عن ظاهره، كما
صنع ذلك الخطّابيّ - في كلامه السابق - حيث قال: المراد بالكتاب: أحد
الشيئين ... إلى آخر كلامه، فنفى على كلّ من التقديرين أن يكون فوق العرش
كتاب؛ إذ تأول الكتاب بعلم الله تعالى بما كَتب على نفسه، أو الذي عنده ذِكر
الكتاب وعِلمه، والحامل له على هذا التأويل إما اعتقاد أن الله ليس بذاته فوق
العرش، فلا يكون شيء من المخلوقات عنده فوق العرش، وإما اعتقاد امتناع
أن يكون شيء غير الله فوق العرش، والأول باطل بأدلّة العلوّ والاستواء،
والثاني لا دليل عليه، بل هذا الحديث بمجموع ألفاظه يدلّ على بطلانه، فقد
دلّ الحديث على أنَّ هذا الكتاب عند الله فوق العرش، والله تعالى أعلم بنفسه،
والرسول "الذي أخبر بذلك أعلم بربّه، فليس لأحد أن يعارض خبره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
انتهى كلام البرّاك، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رَحِمَهُ اللهُ - أوّلَ الكتاب قال:
[6945] ( ... ) - (حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قَالَ اللهُ - عَزَّوَجَلَّ -: سَبَقَتْ
رَحْمَتِي غَضَبِي").
رجال هذا الإسناد: خمسة:
1 - (سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ) تقدّم قريبًا.
والباقون ذُكروا في الباب وقبله.
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى شرحه، وبيان مسائله في الحديث
الماضي، ولله الحمد والمنّة.