غَيبتكم عني، وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "لو" لامتناع الشيء لامتناع غيره،
فتنتفي المداومة على حالة حاصلة عند الحضور، وعلى الذكر بانتفاء مصافحة
الملائكة عيانًا على الدوام. انتهى (?).
(عَلَى مَا تَكونُونَ عِنْدِي)؛ أي: من صفاء القلب، والخوف من الله تعالي،
قاله الطيبيّ، أو من دوام الذكر، وتمام الحضور، فيكون قوله: (وَفِي الذِّكْرِ)
معطوفًا على قوله: "على ما تكونون" عطفَ تفسير، وقال الطيبيّ: عَطْف على
خبر "كان"الذي هو "عندي"، وقال ابن الملك: الواو بمعنى "أو" عَطْف على
قوله: "ما تكونون"، أو على "عندي"؛ أي: لو تدومون في الذكر، أو على ما
تكونون في الذكر، وأنتم بُعَداء مني من الاستغراق فيه، (لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ)
قيل: أي: علانية، وإلا فكون الملائكة يصافحون أهل الذكر حاصل، وقال
ابن حجر: أي: عيانًا في سائر الأحوال، وإن كنتم (عَلَى فُرُشِكُمْ، وَفي
طُرُقِكُمْ)؛ أي: في حالتَي فراغكم، وشغلكم، وفي زمان أيامكم ولياليكم؛
لأنكم إذا كنتم في الحضور والغَيبة على ما ذكرتم كنتم على أكمل الأحوال
دائمًا، ومن هو كذلك مع الموانع البشرية، والقواطع النفسية، يرى الملائكة
معظِّمين له في كلّ من الأمكنة والأزمنة (?).
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي
الذكر لصافحتكم الملائكة" هكذا صحّت الرواية بالواو العاطفة للطرف الثاني
على الأول، ويفيد أنه وَقَفَ مصافحة الملائكة على حصول حالتين لنا: على
حال مشاهدة الجَنَّة والنار مع ذكر الله تعالي، ودوام ذلك، فيعني - والله تعالى
أعلم -: أن التمكن إنما هو أن يشاهد الأمور كلها بالله تعالي، فإذا شاهد
الجَنَّة مثلًا لَمْ يحجبه ما يشاهد من نعيمها وحُسنها من رؤية الله تعالي، بل لا
يلتفت إليها من حيث هي جنة، بل من حيث هي أنَّها محل القرب من الله
تعالي، ومحل رؤيته، ومشاهدته، فيكون فرقه في جمعه، وعطاؤه في منعه،
ومن كان كذلك ناسب الملائكة في معرفتها، فبادرت إلى إكرامه، ومشافهته،