المعتزلة فيهما، قال أصحابنا: ولو تكررت التوبة، ومعاودة الذَّنْب صحت، ثم
توبة الكافر من كفره مقطوع بقبولها، وما سواها من أنواع التوبة، هل قبولها
مقطوع به، أم مظنون فيه؟ خلاف لأهل السُّنَّة، واختار إمام الحرمين أنه
مظنون، وهو الأصح، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?).
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "المفهم" (?): اختلفت عبارات المشايخ فيها،
فقائل يقول: إنها الندم، وآخر يقول: إنها العزم على أنَّ لا يعود، وآخر يقول:
الإقلاع عن الذَّنْب، ومنهم من يَجمع بين الأمور الثلاثة، وهو أكملها، غير أنه
مع ما فيه غير مانع، ولا جامع.
أما أَوَّلًا: فلأنه قد يجمع الثلاثة، ولا يكون تائبًا شرعًا، إذ قد يفعل ذلك
شُحًّا على ماله، أو لئلا يُعَيِّره الناس به، ولا تصح التوبة الشرعية إلَّا
بالإخلاص، ومن تَرَك الذَّنْب لغير الله لا يكون تائبًا اتفاقًا.
وأما ثانيًا: فلأنه يخرج منه مَن زنى مثلًا، ثم جُبّ ذكره، فإنه لا يتأتى
منه غير الندم على ما مضي، وأما العزم على عدم العود، فلا يتصور منه،
قال: وبهذا اغترّ من قال: إن الندم يكفي في حدّ التوبة، وليس كما قال؛ لأنه
لو نَدِم، ولم يُقلع، وعزم على العود لَمْ يكن تائبًا اتفاقًا، قال: وقال بعض
المحققين: هي اختيار تَرْك ذنب سبق حقيقةً، أو تقديرًا؛ لأجل الله تعالى.
قال: وهذا أسدّ العبارات، وأجمعها؛ لأنَّ التائب لا يكون تاركًا للذنب
الذي فرغ؛ لأنه غير متمكن من عينه، لا تركًا، ولا فعلًا، وإنما هو متمكن من
مثله حقيقةً، وكذا من لَمْ يقع منه ذنب إنما يصح منه اتقاء ما يمكن أن يقع، لا
تَرْك مثل ما وقع، فيكون متقيًا، لا تائبًا.
قال: والباعث على هذا تنبيه إلهيّ لمن أراد سعادته لِقُبح الذَّنْب وضرره؛
لأنه سمّ مهلك، يُفَوِّت على الإنسان سعادة الدنيا والآخرة، ويحجبه عن
معرفة الله تعالى في الدنيا، وعن تقريبه في الآخرة.
قال: ومن تفقّد نفسه وجدها مشحونة بهذا السمّ، فإذا وُفِّق انبعث منه
خوف هجوم الهلاك عليه، فيبادر بطلب ما يدفع به عن نفسه ضرر ذلك،