{ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة: 118]، {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} [البقرة: 187].
والتائب يقال لباذل التوبة، ولقابل التوبة، فالعبد تائب إلى الله، والله
تائب على عبده.
والتواب: العبد الكثير التوبة، وذلك بتركه كلّ وقت بعض الذنوب على
الترتيب حتى يصير تاركًا لجميعه، وقد يقال ذلك لله تعالى لكثرة قبوله توبة العباد
حالًا بعد حال. وقوله: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)}
[الفرقان: 71]؛ أي: التوبة التامة، وهو الجمع بين ترك القبيح، وتحري
الجميل. {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: 30]، {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37]. انتهى (?).
(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في معنى التوبة:
قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: أصل التوبة في اللغة: الرجوع، يقال: تاب، وثاب
- بالمثلثة - وآب، جمعنى رجع، والمراد بالتوبة هنا: الرجوع عن الذَّنْب، وقد
سبق في "كتاب الإيمان" أن لها ثلاثة أركان: الإقلاع، والندم على فعل تلك
المعصية، والعزم على أنَّ لا يعود إليها أبدًا، فإن كانت المعصية لحقّ آدميّ،
فلها ركن رابع، وهو التحلّل من صاحب ذلك الحقّ، وأصلها الندم، وهو
ركنها الأعظم، واتفقوا على أنَّ التوبة من جميع المعاصي واجبة، وأنها واجبة
على الفور، لا يجوز تأخيرها، سواء كانت المعصية صغيرة، أو كبيرة، والتوبة
من مهمات الإسلام، وقواعده المتأكدة، ووجوبها عند أهل السُّنَّة بالشرع،
وعند المعتزلة بالعقل، ولا يجب على الله قبولها إذا وُجدت بشروطها عقلًا عند
أهل السُّنَّة، لكنه يقبلها كرمًا وفضلًا، وعرفنا قبولها بالشرع، والإجماع، خلافًا
لهم، وإذا تاب من ذنب، ثم ذكره، هل يجب تجديد الندم؟ فيه خلاف
لأصحابنا، وغيرهم، من أهل السُّنَّة، قال ابن الأنباريّ: يجب، وقال إمام
الحرمين: لا يجب، وتصح التوبة من ذنب، وإن كان مصرًّا على ذنب آخر،
وإذا تاب توبة صحيحة بشروطها، ثم عاود ذلك الذَّنْب كُتب عليه ذلك الذَّنْب
الثاني، ولم تبطل توبته، هذا مذهب أهل السُّنَّة في المسألتين، وخالفت