الوديعة، ورَبِح أن الربح إنما يكون لرب المال، قال: وهذا لا يدلُّ على ما
قال، وذلك أن صاحب الفرق إنما تبرع بفعله، وتقرب به إلى الله - عَزَّوَجَلَّ -، وقد
قال: إنه اشترى بقرأ، وهو تصرف منه في أمر لَمْ يوكله به، فلا يستحقّ عليه
ربحًا، والأشبه بمعناه: أنه قد تصدق بهذا المال على الأجير بعد أن اتّجر فيه،
وأنماه، والذي ذهب إليه أكثر الفقهاء في المستودَع إذا اتجر بمال الوديعة،
والمضارب إذا خالف رب المال، فربحا أنه ليس لصاحب المال من الربح
شيء، وعند أبي حنيفة: المضارب ضامن لرأس المال، والربح له، ويتصدق
به، والوضيعة عليه.
وقال الشافعيّ: إن كان اشترى السلعة بعين المال، فالبيع باطل، وإن
كان بغير عينه فالسلعة ملك المشتري، وهو ضامن للمال.
وقال ابن بطال: وأما من اتجر في مال غيره، فقالت طائفة: يطيب له
الربح إذا ردّ رأس المال إلى صاحبه، سواء كان غاصبًا للمال، أو كان وديعة
عنده متعديًا فيه، هذا قول عطاء، وما لك، والليث، والثوريّ، والأوزاعي،
وأبي يوسف، واستَحَبّ مالك، والثوريّ، والأوزاعيّ تنزهه عنه، ويتصدق به.
وقالت طائفة: يردّ المال، ويتصدق بالربح كله، ولا يطيب له منه شيء،
هذا قول أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، وزفر.
وقالت طائفة: الربح لرب المال، وهو ضامن لِمَا تعدى فيه، هذا قول
ابن عمر، وأبي قلابة، وبه قال أحمد، وإسحاق.
وقال ابن بطال: وأصح هذه الأقوال قول من قال: إن الربح للغاصب،
والمتعدي، والله أعلم. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما ذهب إليه ابن عمر ومن معه هو
الحقّ؛ لأنَّ الربح ثمرة أصل المال، وهو مُلك لصاحبه، فيكون تابعًا له، ولا
ينتقل عنه إلى المودَع إلَّا بنمق، أو إجماع، ولا يوجدان، فتأمله بالإمعان،
والله تعالى أعلم.
10 - (ومنها): أن فيه الإخبارّ عن الأمم الماضية، وذِكر أعمالهم؛ ليعتبر
السامعون بأعمالهم، فيعملوا بحَسَنها، ويتركوا قبيحها، ولم يكن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتكلم
بشيء إلَّا لفائدة، وإذا كان مزاحه كذلك، فما ظنك بأخباره، والله تعالى أعلم.