أموال الله خلقها، وخَوّلكم إياها، وخوّلكم الاستمتاع فيها، وجعلكم خَلَفًا
بالتصرف فيها، فليست هي بأموالكم حقيقةً، بل أنتم فيها بمنزلة الوكلاء، فناظر
هل تتصرفون فيها على الوجه الذي يَرضَى به المستخلِف أو لا؟ والمراد:
مستخلفكم فيما كان بأيدي مَن قبلكم بتوريثكم إياهم، فناظر هل تعتبرون
بحالهم أو لا؟ وكيفية النظر من المتشابه نؤمن بأنه يصير، ولا نشتغل بكيفيته،
والحديث مسوق للتحذير من زخرف الدنيا، وزهرتها. انتهى (?).
(فَاتَّقُوا الدُّنْيَا)؛ أي: احذروا زيادتها على قدر الحاجة المُعِينة للدين
النافعة في الأخري، وقال القاري: "فاتقوا الدنيا"؛ أي: احذروا من الاغترار
بما فيها من الجاه، والمال، فإنها في وشك الزوال، واقنعوا فيها بما يُعينكم
على حسن المآل، فإن حلالها حساب، وحرامها عذاب. انتهى (?).
(وَاتَّقُوا النِّسَاءَ)؛ أي: كيدهنّ، والاغترار بهنّ.
وقال القاري: "واتقوا النساء"؛ أي: احذروا أن تميلوا إلى المنهيات
بسببهنّ وتقعوا في فتنة الدين لأجل الافتتان بهنّ.
وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: احذروا أن تميلوا إلى النساء بالحرام، وتَقبلوا
أقوالهنّ، فإنهن ناقصات، عقل لا خير في كلامهن غالبًا. انتهي، وهو
تخصيص بعد تعميم، إشارة إلى أنَّها أضر ما في الدنيا من البلايا (?).
وقال المناويّ: "فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء": خَصّص بعدما عمم؛
إيذانأ بأن الفتنة بهنّ أعظم الفتن الدنيوية، فإنه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أخبر بأن الذي زُيِّن به الدنيا
من ملاذها وشهواتها سبعة أشياء، أعظمها النساء اللاتي هنّ أعظم زينتها،
وشهوتها، وأعظمها فتنة، وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عمر: أن إبليس لقي
موسى - عَلَيْهِ السَّلَامْ -، فقال: يا موسى إن لك عليّ حقًّا، إياك أن تجالس امرأة ليست
بمَحْرَم، فإني رسولها إليك، ورسولك إليها. انتهى (?).
(فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) يريد: قَتْل النفس التي أُمر
بنو إسرائيل فيها بذبح البقرة، واسم المقتول: عاميل، قتله ابن أخيه، أو عمه