وفي رواية: "كان إذا فرغ من طعامه- وقال مرة: إذا رفع مائدته- قال:
الحمد لله الذي كفانا، وأروانا، غير مكفيّ، ولا مكفور، وقال مرة: الحمد لله
ربنا، غير مكفيّ، ولا مودَّع، ولا يستغنى عنه ربنا".
وأخرج أبو داود من حديث أبي سعيد: "الحمد لله الذي أطعمنا،
وسقانا، وجعلنا مسلمين".
ولأبي داود، والترمذيّ من حديث أبي أيوب: "الحمد لله الذي أطعم،
وسقى، وسوّغه، وجعل له مخرجًا".
وأخرج النسائيّ، وصححه ابن حبان، والحاكم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-
ما في حديث أبي سعيد، وأبي أُمامة، وزيادة في حديث مطوّل.
وللنسائيّ من طريق عبد الرحمن بن جبير المصريّ، أنه حدثه رجل خَدَم
النبيّ -صلي الله عليه وسلم- ثمان سنين؛ أنه كان يسمع النبيّ -صلي الله عليه وسلم- إذا قُرِّب إليه طعامه يقول:
بسم الله، فإذا فرغ قال: "اللَّهُمَّ أطعمت، وسقيت، وأغنيت، وأقنيت،
وهديت، وأحييت، فلك الحمد على ما أعطيت"، وسنده صحيح، قاله في
"الفتح" (?).
4 - (ومنها): ما قاله القرطبيّ -رحمه الله-: فيه دلالة على أن شكر النعمة، وإن
قلّت سببُ نَيْل رضا الله تعالى الذي هو أشرف أحوال أهل الجنة، وسيأتي
قول الله -عز وجل- لأهل الجنة حين يقولون: "أعطيتنا ما لم تُعط أحدًا من خلقك،
فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: ما هو؟ ألم تبيّض وجوهنا،
وتدخلنا الجنة، وتزحزحنا عن النار؟ ، فيقول: أُحلّ عليكم رضواني، فلا
أسخط عليكم بعده أبدًا"، متّفق عليه.
قال: وإنما كان الشكر سببًا لذلك الإكرام العظيم؛ لأنَّه يتضمّن معرفة
المُنعِم، وانفراده بخلق تلك النعمة، وبإيصالها إلى المنعَم عليه، تفضلًا من
المنعِم، وكرمًا، ومنة، وإن المنعَم عليه فقير، محتاج إلى تلك النِّعم، ولا غنى