قال: وقال أمية بن أبي الصلت في مدح عبد الله بن جُدعان [من الطويل]:

أأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي ... حَيَاؤُكَ (?) إِنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ

إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْماً ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِكَ الثَّنَاءُ

قال سفيان: فهذا مخلوق حين نُسب إلى الكرم اكتَفَى بالثناء عن السؤال،

فكيف بالخالق.

قال الحافظ: ويؤيد الاحتمال الثاني حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -

رفعه: "دعوة ذي النون إذ دعا، وهو في بطن الحوت، لا إله إلا أنت

سبحانك، إني كنت من الظالمين، فإنه لم يَدع بها رجل مسلم في شيء قطّ،

إلا استجاب الله تعالى له"، أخرجه التِّرمذيّ، والنسائيّ، والحاكم، وفي لفظ

للحاكم: "فقال رجل: أكانت ليونس خاصّةً أم للمؤمنين عامّةً؟ فقال

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا تسمع إلى قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}

[الأنبياء: 88] ". انتهى.

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قال الطبريّ: كان السلف يَدْعون بهذا الدعاء،

ويسمُّونه دعاء الكرب.

[فإنَّ قيل]: كيف يسمّى هذا دعاء، وليس فيه من معنى الدعاء شي،

وإنَّما هو تعظيم لله تعالى، وثناء عليه؟ .

[فالجواب]: إن هذا يسمّى دعاء لوجهين:

أحدهما: أنه يُستفتح به الدعاء، ومن بعده يدعو، وقد ورد في بعض

طرقه: "ثم يدعو".

وثانيهما: أن ابن عيينة قال- وقد سئل عن هذا-: أما علمت أن الله

تعالى يقول: "إذا شَغَل عبدي ثناؤه عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي

السائلين" (?)، وقد قال أمية بن أبي الصلت:

إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْماً ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثنَاءُ

قال القرطبيّ: وهذا الكلام حسن، وتتمته أن ذلك إنما كان لنكتتين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015