وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ الله-: هذا الحديث يدلّ على أن الله تعالى خلق للديكة
إدراكًا تُدرك به الملائكة، كما خلق للحمير إدراكًا تُدرك به الشياطين، ويفيد أن
كل نوع من الملائكة، والشياطين موجودان، وهذا معلوم من الشرع قطعًا،
والمنكر لشيء منهما كافر، وكأنه إنما أمر النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء عند صراخ الديكة
لتؤمّن الملائكة على ذلك الدعاء، فتتوافق الدعوتان، فيستجاب للداعي، والله
أعلم، وإنما أمر بالتعوّذ من الشيطان عند نهيق الحمير؛ لأن الشيطان لمّا حضر
يُخاف من شرّه، فينبغي أن يُتعوّذ منه انتهى (?).
7 - (ومنها): إثبات وجود الملائكة، والشياطين، وأنهم يحضرون
مجالس بني آدم كلٌّ بما تخصّص به من الرحمة، والغضب.
8 - (ومنها): ما قاله الطيبيّ -رَحِمَهُ الله-: لعل السرّ في الأمر بسؤال الفضل
من الله تعالى عند صياح الديكة، والاستعاذة من شرّ الشيطان عند سماع نهيق
الحمار أن الديك أقرب الحيوان صوتًا إلى الذاكرين الله؛ لأنها تحفظ غالبًا
أوقات الصلوات، وأنكر الأصوات صوت الحمير، فهو أقربها صوتًا إلى من
هو أبعد من رحمة الله -سُبْحَانَه وَتَعَالى-؛ (?)، والله تعالى أعلم.
{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
(21) - (بَابُ دُعَاءِ الْكَرْبِ)
"الْكَرْب" بفتح الكاف، وسكون الراء، بعدها موحّدة: هو ما يَدهَم
المرء، مما يأخذ بنفسه، فيغمّه، ويحزُنه (?)، ويقال: كربه الأمر كربًا، من باب
نصر: شقّ عليه، فهو مكروب؛ أي: مهموم، والكُربة بالضمّ اسم منه،
والجمع: كُرُب، مثلُ غُرْفة وغُرَفٍ (?).
وقال الراغب: الكرب: الغمّ الشديد، والْكُرْبة: الْغُمّة، وأصل ذلك من
كَرْب الأرض، وهو قَلْبها بالحفر، والغمّ يُثير النفس إثارة ذلك، قال: أو من