شرح الحديث:
(عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود رضي الله عنه (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي
أَسْأَلُكَ الْهُدَى)؛ أي: الهداية إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت
عليهم، (وَالتُّقَى) بضمّ التاء، والقصر؛ أي: الخوف من الله تعالى، والحذر من
مخالفته، (والْعَفَافَ) بالفتح؛ أي: الكفّ عن المعاصي، والصيانة عن مطامع
الدنيا، وعن كل ما لا ينبغي، (والْغِنَى) بالكسر، والقصر: اليسار، والمراد:
غنى القلب، لا غنى اليد، قال النوويّ: العفاف، والعفّة: هو التنزه عما لا
يباح، والكفّ عنه، والغنى ها هنا: غنى النفس، والاستغناء عن الناس، وعما
في أيديهم. وقال في "المعتصر": ليس المراد بالغنى غنى المال، بل غنى
النفس القاطع عن المال الذي يقطع المرء عن الطاعات، وَيشْغَل القلب عن الله
تعالى، فالغنى المحمود هو الغنى الذي يتفرغ به القلب عن الدنيا، وعن
الاهتمام بها، فقد صحّ عنه - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه قال: "ما أحبّ أن لي أُحدًا ذهبًا تأتي
عليّ ليلة، أو ثلاثٌ، وعندي منه دينار، إلا دينارًا أرصده لِدَيْن، أو أقول به في
عباد الله هكذا وهكذا، وهكذا، عن يمينه، وعن شماله، ومن خلفه ... "
الحديث، متّفقٌ عليه.
قال الطيبي: أطلق الهدى، والتقى؛ ليتناول كل ما ينبغي أن يُهتدَى إليه،
من أمر المعاش، والمعاد، ومكارم الأخلاق، وكل ما يجب أن يُتَّقَى منه، من
الشرك، والمعاصي، ورذائل الأخلاق، وطَلَبُ العفافِ، والغنى تخصيص بعد
تعميم. انتهى (?).
وقال ابن عبد البرّ رحمه الله في "الاستذكار": وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أغنني من
الفقر"، مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ أحيني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين،
ولا تجعلني جبارًا شقيًّا"، فإن هذا الفقر هو الذي لا يدرك معه القوّة،
والكفاف، ولا يستقر معه في النفس غنى؛ لأن الغنى عنده - صلى الله عليه وسلم - غنى النفس،
فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه قال: "ليس الغنى عن كثرة
العَرَض، إنما الغنى غنى النفس"، وقد جعله الله عز وجل غنيًّا، وعدّده عليه فيما