أو محضُ مجرَّد تعليم لأمته (?). (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ) قبل هذا الوقت، من

التقدمة، وهي وضع الشيء قدامًا، وهي جهة القدام الذي هو الأمام في

الاتجاه؛ أي: قبالة الوجه، قاله الحرانيّ. (وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ)؛ أي:

أخفيت، (وَمَا أَعْلَنْتُ)؛ أي: أظهرت، أو ما حدّثت به نفسي، وما تحرك به

لساني، قاله تواضعًا، وإجلالًا لله تعالى، أو تعليمًا لأمته، وتَعقب في "الفتح"

الأخير بأنه لو كان للتعليم فقط كفى فيه أمْرهم، بأن يقولوا، فالأَولى أنه

للمجموع، (وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي)؛ أي: ما علِمته ولم أعلمه، (أنتَ الْمُقَدِّمُ)؛

أي: بعض العباد إليك بتوفيق الطاعة، أو أنت المقدم لنا بالبعث في الآخرة،

وهو إشارة إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "نحق الآخرون السابقون يوم

القيامة ... " الحديث، متّفقٌ عليه. (وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ)؛ أي: بخذلان بعضهم عن

التوفيق، فتؤخره عنك، أو أنت المؤخر لنا بالبعث في الدنيا، أو أنت الرافع،

والخافض، أو المعزّ، والمذلّ.

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "أنت المقدم وأنت المؤخر"؛ أي: المقدّم

لمن شئت بالتوبة، والولاية، والطاعة، والمؤخر لمن شئت بضدّ ذلك، والأَوْلى

أنه تعالى مقدِّم كل مُقَدَّم في الدنيا والآخرة، ومؤخِّر كل مُؤَخَّر في الدنيا

والآخرة، وهذان الاسمان من أسماء الله تعالى المزدوجة، كالأول والآخر،

والمبدئ والمعيد، والقابض والباسط، والخافض والرافع، والضارّ والنافع،

فهذه الأسماء لا تقال إلا مزدوجة، كما جاءت في الكتاب والسُّنَة، هكذا قال

بعض العلماء، ولم يُجز أن يقال: يا خافض حتى يضم إليه: يا رافع.

انتهى (?).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "لا تقال إلا مزدوجة" في إطلاقه نظر لا

يخفى، فتأمله بالإمعان، وبالله تعالى التوفيق.

وقوله: (وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ") جملة مؤكّدة لمعنى ما قبلها، و"على

كل شيء" متعلق بـ"قدير"؛ أي: أنت الفعّال لكل ما تشاء، ولذا لم يوصَف به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015