شرح الحديث:
(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) - رضي الله عنهما - (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ،
وَبِكَ آمَنْتُ)؛ أي: لك انقدت وبك صدّقت، قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه إشارة إلى
الفرق بين الإسلام والإيمان. (وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ)؛ أي: عليك، لا على غيرك
اعتمدت في تفويض أموري، (وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ)؛ أي: رجعت، وأقبلت بهمتي،
(وَبِكَ خَاصَمْتُ)؛ أي: بك أحتج وأدفع وأخاصم، وقال القرطبي: أي:
بإعانتك، وتعليمك، وبكلامك جادلت المخالفين فيك حتى خصمتهم (?).
(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ)؛ أي: بقوة سلطانك، (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) وفي
رواية البخاريّ: "أعوذ بعزّتك الذي لا إله إلا أنت"، قال في "العمدة" (?):
قوله: "الذي لا إله إلا أنت": قيل: ما العائد للموصول؟ ، وأجيب بأنه إذا كان
المخاطَب نفس المرجوع إليه، يحصل الارتباط، وكذلك المتكلم، نحو:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهُ الْمَنْظَرَهْ
(أَنْ تُضِلَّنِي)؛ أي: تُهلكني بعدم التوفيق للرشاد، والتوفيق على طرق
الهداية والسداد، وفي "القاموس": ضَلّ يَضلّ - بكسر الضاد - وتُفتح ضلالاً:
ضاع، ومات، وصار تراباً، وعظاماً، وخَفِي، وغاب، وضلّ فلاناً: أُنسيه،
ومنه قوله تعالى: {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 20]، وضلّني: ذهب عني.
انتهى (?).
(أَنْتَ الْحَيُّ) وفي رواية: "أنت الحيّ القيّوم"؛ أي: الدائم القائم على
الخلق، (الَّذِي لَا يَمُوتُ) بلفظ الغائب للأكثر، وفي بعض الروايات بلفظ
الخطاب؛ أي: الحي الحياة الحقيقية التي لا يجامعها الموت بحال. (وَالْجِنُّ
وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ") عندما تنقضي آجالهم، قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: إنما خصّ هذين
النوعين بالموت، وإن كان جميع الخلائق يموتون؛ لأن هذين النوعين هما
المكلفان المقصودان بالتبليغ، والله تعالى أعلم (?).
قال في "الفتح": قوله: "والجن والإنس يموتون": استُدِلّ به على أن