أن ذلك فرد من أفراد جهد البلاء. وقيل: هو ما يختار الموت عليه. انتهى.
وإنما تعوذ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من ذلك؛ تعليمًا لأمته، فإن الله تعالى كان آمنه من
جميع ذلك، وبذلك جزم عياض.
قال الحافظ: ولا يتعين ذلك، بل يَحْتَمِل أن يكون استعاذ بربه من وقوع
ذلك بأمته، ويؤيده رواية مسدد المذكورة بصيغة الأمر، كما تقدّم.
وقال السيوطيّ رحمهُ اللهُ في "شرح النسائيّ": "جهد البلاء": هي الحالة التي
يختار الموت عليها؛ أي: لو خُيِّر بين الموت، وبين تلك الحالة لأحبّ أن
يموت تحرّزًا عن تلك الحالة. وقيل: هو قلة المال، وكثرة العيال.
وقال الكرمانيّ رحمهُ اللهُ: هذه الكلمة جامعة؛ لأن المكروه إما أن يلاحظ من
جهة المبدإ، وهو سوء القضاء، أو من جهة المعاد، وهو درك الشقاء، أو من
جهة المعاش، وهو إما من جهة غيره، وهو شماتة الأعداء، أو من جهة نفسه،
وهو جهد البلاء، نعوذ بالله من ذلك.
قال السنديّ رحمهُ اللهُ: وأنت خبير بأنه لا مقابلة على ما ذكره بين سوء
القضاء، وغيره، بل غيره كالتفصيل لجزئياته، فالمقابلة ينبغي أن تُعتبر باعتبار
أن مجموع الثلاثة الأخيرة بمنزلة القَدَر، فكأنه قال: من سوء القضاء والقدر،
لكن أقيم أهمّ أقسام سوء القدر مقامه.
بقي أن المقضيّ من حيث القضاء أزليّ، فأيّ فائدة في الاستعاذة منه،
والظاهر أن المراد: صرف المعلّق منه، فإنه قد يكون معلّقًا، والتحقيق أن
الدعاء مطلوب؛ لكونه عبادة، وطاعة، ولا حاجة لنا في ذلك إلى أن نعرف
الفائدة المترتبة عليه، سوى ما ذكرنا. انتهى (?).
وقوله: (قَالَ عَمْرٌو)؛ يعني: الناقد شيخه الأول، (فِي حَدِيثِهِ: قَالَ
سُفْيَانُ) بن عيينة: (أَشُكُّ أني زِدْتُ وَاحِدَةً مِنْهَا) وفي رواية البخاريّ: "قال
سفيان: الحديث ثلاثٌ، زدت أنا واحدة، لا أدري أيتهن"، وفي رواية
النسائيّ: "قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ ثَلَاثَةٌ، فَذَكَرْتُ أَرْبَعَةً؛ لِأَنِّي لَا أَحْفَظُ الْوَاحِدَ الَّذِي
لَيْسَ فِيهِ".