وقال النوويّ رحمهُ اللهُ: وأما دَرَك الشقاء، فالمشهور فيه فتح الراء، وحَكَى
القاضي، وغيره: أن بعض رواة مسلم رواه ساكنها، وهي لغة، قال: وهو
يكون في أمور الآخرة، والدنيا، ومعناه: أعوذ بك أن يدركني شقاء. انتهى (?).
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "من سوء القضاء، ومن درك الشقاء": يُروَى
بفتح الراء، وبإسكانها، فبالفتح: الاسم، وبالإسكان: المصدر، وهما
متقاربان، والمتعوّذ منه: أن يلحقه شقاء في الدنيا يُتعبه، ويُثقله، وفي الآخرة:
يعذبه، و"جهد البلاء": يروى بفتح الجيم، وضمّها، قال ابن دريد: هما لغتان
بمعنى واحد، وهو: التعب، والمشقة، وقال غيره -وهو نفطويه- بالضم: وهو
الوسع والطاقة، وبالفتح: المبالغة والغاية. ورُوي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: جهد
البلاء: قلّة المال، وكثرة العيال، و"شماتة الأعداء": هي ظَفَرهم به، أو
فرحهم بما يلحقه من الضرر، والمصائب، وقد جاء هذا الدعاء مسجعًا -كما
ترى الآن- لكن ذلك السجع لم يكن متكلّفًا، وإنَّما يُكره من ذلك ما كان
متكلّفا -كما تقدم-.
وإنَما دعا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بهذه الدعوات، وتعوّذ بهذه التعوذات؛ إظهارًا
للعبودية، وبيانًا للمشروعية؛ ليُقتَدَى بدعواته، ويُتعوّذ بتعويذاته، والله أعلم.
انتهى (?).
(وَمِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ) هو أن يفرح العدوّ ببلية تنزل بعدوّه، يقال منه:
شَمِتَ -بكسر الميم- وشَمَت -بفتحها- فهو شامت، وأشمت غيره. وقال ابن
بطال رحمهُ اللهُ: شماته الأعداء: ما يَنكأ القلب، ويبلغ من النفس أشدّ مبلغ.
(وَمِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ) بفتح الجيم، وضمها، والفتح أشهر، وأفصح، رُوي
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه فسّره بقفة المال، وكثرة العيال، وقال غيره: هي الحال
الشاقّة.
وقال في "الفتح": قال ابن بطال وغيره: جهد البلاء: كل ما أصاب
المرء من شدّة مشقة، وما لا طاقة له بحمله، ولا يقدر على دفعه. وقيل:
المراد بجهد البلاء: قلة المال، وكثرة العيال، كذا جاء عن ابن عمر، والحقّ