بَعْضاً بِأَجْنِحَتِهِمْ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هكذا هو في كثير من نُسَخ بلادنا: "حَفّ"
بالفاء، وفي بعضها: "حَضّ" بالضاد المعجمة؛ أي: حَثّ على الحضور،
والاستماع، وحَكَى القاضي عن بعض رواتهم: "وحَطّ" بالطاء المهملة،
واختاره القاضي، قال: ومعناه: أشار بعضهم إلى بعض بالنزول، ويؤيد هذه
الرواية قوله بعده في البخاريّ: "هَلُمّوا إلى حاجتكم"، ويؤيد الرواية الأولى،
وهي "حَفّ" قوله في البخاريّ: "يَحُفّونهم بأجنحتهم"؛ أي: يُحدِقون بهم،
ويستديرون حولهم، ويحوف بعضهم بعضاً (?).
وقال في "الفتح": "فيحفّونهم بأجنحتهم"؛ أي: يُدْنون بأجنحتهم حول
الذاكرين، والباء للتعدية، وقيل: للاستعانة. (حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ
الدُّنْيَا) بالضم، بمعنى القربى، صفة لـ "السماء"؛ أي: السماء القريبة إلى
الأرض، (فَإِذَا تَفَرَّقُوا)؛ أي: افترق الملائكة عن مجلس الذكر؛ لانتهائه، أو
المراد: فإذا تفرّق أهل المجلس عن مجلس ذِكرهم (عَرَجُوا) بفتح أوله،
وثانيه، من باب نصر؛ أي: صَعِد الملائكة، فقوله: (وَصَعِدُوا) بفتح أوله،
وكسر ثانيه عَطْف تفسير لـ "عَرَجوا". (إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: (فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-)
هذا السؤال من الله تعالى للملائكة، هو على جهة التنبيه للملائكة على قوله:
{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30]، وإظهار لتحقيق قوله:
{إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]، وهو من نحو مباهاة الله تعالى الملائكة
بأهل عرفة حين قال لهم: "ما أراد هؤلاء؟ انظروا إلى عبادي جاؤوني شُعْثاً
غُبْراً، أُشهدكم أني قد غفرت لهم" (?)، وكذلك نُصَّ عليه في الحديث. انتهى (?).
وقوله: (وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ) جملة في محلّ نصب على الحال من الجلالة،
وفي رواية البخاريّ؟ "قال: فيسألهم ربهم -عَزَّ وَجَلَّ-، وهو أعلم منهم"، وفي رواية
الكشميهنيّ: "بهم" كذا للإسماعيلي، قال في "الفتح": وهي جملة معترضة،
وَرَدَت لِرَفع التوهم (مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ ) وفي رواية الترمذيّ: "فيقول الله: أيّ شيء