وقوله: "يحب الوتر": قال عياض: معناه أن للوتر في العدد فضلاً على
الشفع في أسمائه؛ لكونه دالّاً على الوحدانية في صفاته.
وتُعُقّب بأنه لو كان المراد به الدلالة على الوحدانية لَمَا تعددت الأسماء،
بل المراد: أن الله يحب الوتر من كل شيء، وإن تعدَّدَ ما فيه الوتر، وقيل: هو
منصرف إلى من يعبد الله بالوحدانية، والتفرد على سبيل الإخلاص، وقيل: لأنه
أمَر بالوتر في كثير من الأعمال، والطاعات، كما في الصلوات الخمس، ووتر
الليل، وأعداد الطهارة، وتكفين الميت، وفي كثير من المخلوقات؛ كالسماوات
والأرض. انتهى ملخصاً.
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: الظاهر أن الوتر هنا للجنس؛ إذ لا معهود جرى
ذِكره، حتى يُحْمَل عليه، فيكون معناه: أنه وتر يحب كل وتر شَرَعه، ومعنى
محبته له: أنه أمَر به، وأثاب عليه، ويصلح ذلك العموم ما خلقه وتراً من
مخلوقاته، أو معنى محبته له: أنه خصصه بذلك؛ لحكمة يعلمها، ويَحْتَمِل أن
يريد بذلك وتراً بعينه، وإن لم يجر له ذكر، ثم اختَلَف هؤلاء، فقيل: المراد
صلاة الوتر، وقيل: صلاة الجمعة، وقيل: يوم الجمعة، وقيل: يوم عرفة،
وقيل: آدم، وقيل غير ذلك، قال: والأشبه ما تقدم من حَمْله على العموم،
قال: ويظهر لي وجه آخر، وهو أن الوتر يراد به التوحيد، فيكون المعنى:
أن الله في ذاته، وكماله، وأفعاله واحد، ويحب التوحيد؛ أي: أن يوحَّد،
ويُعتَقَد انفراده بالألوهية دون خَلْقه، فيلتئم أول الحديث وآخره، والله أعلم (?).
قال الحافظ: لعل من حَمَله على صلاة الوتر استَنَد إلى حديث عليّ - رضي الله عنه -:
"إن الوتر ليس بحتم كالمكتوبة، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوتر، ثم قال: أوتروا يا
أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر"، أخرجوه في السنن الأربعة، وصححه
ابن خزيمة، واللفظ له، فعلى هذا التأويل تكون اللام في هذا الخبر للعهد؛
لتقدُّم ذِكر الوتر المأمور به، لكن لا يلزم أن يُحمل الحديث الآخر على هذا،
بل العموم فيه أظهر، كما أن العموم في حديث عليّ مُحْتَمِل أيضاً.
[تنبيه]: قد طعن أبو زيد البلخيّ في صحة الخبر، بأن دخول الجنة ثبت