فقد ذكر صاحب "القاموس" "الْبُوْع" فيه الفتح، والضمّ، ووافقه شارحه
المرتضى، حيث قال: البَاعُ: قَدرُ مَدِّ اليَدَيْنِ، ومَا بَيْنَهُمَا من البَدَنِ، كالبَوْعِ
-أي: بالفتح- ويُضَمُّ، الأَخِيرَةُ هُذَلِيَّة، قال أَبُو ذُؤيبٍ [من الطويل]:
فلَوْ كانَ حَبْلًا مِنْ ثَمَانِينَ قَامَةً ... وخَمْسِينَ بُوعًا نَالَهَا بالأَنَامِلِ (?)
والحاصل: أن ما قاله النوويّ صحيح.
وقال الباجيّ: الباع طُول ذراعي الإنسان، وعضديه، وعَرْض صدره،
وذلك قَدْر أربعة أذرع، وهو من الدواب قدر خطوها في المشي، وهو ما بين
قوائمها. انتهى (?).
(وَإِنْ أَتَانِى يَمْشِي) من باب رمى يرمي، يقال: مشى يمشي مَشْيًا: إذا كان
على رجليه سريعًا كان، أو بطيئًا (?). (أتيْتُهُ هَرْوَلَةً") يقال: هَرْول هرولةً: إذا
أسرع في مشيه دون الْخَبَب، ولهذا يقال: هو بين المشي والْعَدْو، وجعل
جماعة الواو أصلًا (?)،
قال ابن بطال: وصَف سبحانه نفسه بأنه يتقرب إلى عبده، ووصَف العبد
بالتقرب إليه، ووصَفه بالإتيان والهرولة، كلّ ذلك يَحْتَمِل الحقيقة والمجاز،
فحَمْلها على الحقيقة يقتضي قطع المسافات، وتداني الأجسام، وذلك في حقه
تعالى محال، فلما استحالت الحقيقة تعيَّن المَجاز، لشهرته في كلام العرب،
فيكون وصف العبد بالتقرب إليه شبرًا وذراعًا، وإتيانه، ومشيه معناه: التقرب
إليه بطاعته، وأداء مفترضاته، ونوافله، ويكون تقرّبه سبحانه من عبده، وإتيانه،
والمشي: عبارة عن إثابته على طاعته، وتقرّبه من رحمته، وبكون قوله: "أتيته
هرولةً"؛ أي: أتاه ثوابي مسرعًا، ونَقَل عن الطبريّ أنه إنما مَثَّل القليل من
الطاعة بالشبر منه، والضعف من الكرامة، والثواب بالذراع، فجعل ذلك دليلًا
على مبلغ كرامته لمن أدمن على طاعته، أن ثواب عمله له على عمله الضعف،
وأن الكرامة مجاوزة حدّه إلى ما يثيبه الله تعالى.