فكان هذا كله مما استأثر الله سبحانه بعلمه (?)، لا يَشرَكه فيه غيره، كذلك قوله

تبارك وتعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}، ولو كانت الواو في قوله:

{وَالرَّاسِخُونَ} للنَّسَقِ لم يكن لقوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} فائدة. والله أعلم.

قال القرطبيّ: ما حكاه الخطابي من أنه لم يقل بقول مجاهد غيره، فقد

رُوي عن ابن عباس أن الراسخين معطوف على اسم الله -عز وجل-، وأنهم داخلون

في علم المتشابه، وأنهم مع علمهم به يقولون: آمنا به. وقاله الربيع،

ومحمد بن جعفر بن الزبير، والقاسم بن محمد، وغيرهم. و {يَقُولُونَ} على هذا

التاويل نَصْبٌ على الحال من الراسخين، كما قال:

الرِّيحُ تَبْكِي شَجْوَهَا ... وَالْبَرْقُ يَلْمَعُ فِي الْغَمَامَهْ

وهذ البيت يَحتمل المعنيين، فيجوز أن يكون "البرق" مبتدأ، والخبر

"يلمع" على التأويل الأول، فيكون مقطوعًا مما قبله، ويجوز أن يكون معطوفًا

على "الريح"، و"يلمع" في موضع الحال على التأويل الثاني؛ أي: لامعًا.

واحتج قائلو هذه المقالة أيضًا بأن الله سبحانه مدحهم بالرسوخ في

العلم، فكيف يَمدحهم، وهم جُهّال؟ وقد قال ابن عباس: أنا ممن يَعلَم

تأويله. وقرأ مجاهد هذه الآية، وقال: أنا ممن يعلم تأويله، حكاه عنه إمام

الحرمين أبو المعالي.

قال القرطبيّ: وقد رَدّ بعضُ العلماء هذا القول إلى القول الأول، فقال:

وتقدير تمام الكلام عند الله أن معناه: وما يعلم تأويله إلا الله؛ يعني: تأويل

المتشابهات، والراسخون في العلم يعلمون بعضه، قائلين: آمنا به، كلٌّ من عند

ربنا بما نُصِبَ من الدلائل في المحكم، ومكّن من رَدِّه إليه، فماذا علموا تأويل

بعضه، ولم يعلموا البعض قالوا: آمنا بالجميع، كلٌّ من عند ربنا، وما لم يُحط

به علمنا من الخفايا، مما في شَرْعه الصالح، فعِلمه عند ربنا.

[فإن قال قائل]: قد أشكل على الراسخين بعضُ تفسيره، حتى قال ابن

عباس: لا أدري ما الأوّاه، ولا ما غِسْلِين؟ .

[قيل له]: هذا لا يلزم؛ لأن ابن عباس قد عَلِم بعد ذلك، ففسَّر ما وقف عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015