وأن كلها حقٌّ من عند الله، والمراد بالمتشابه: كونه يُشبه بعضه بعضًا في حسن
السياق والنظم أيضًا، وليس المراد: اشتباه معناه على سامعه.
وحاصل الجواب: أن المحكم وَرَدَ بإزاء معنيين، والمتشابه ورد بإزاء
معنيين. انتهى (?).
5 - (ومنها): ما قال بعضهم: العقل مُبْتَلىً باعتقاد حقيقة المتشابه،
كابتلاء البدن بأداء العبادة، فالحكيم إذا صَنّف كتابًا أجمل فيه أحيانًا؛ ليكون
موضع خضوع المتعلم لأُستاذه، وكالملِك يتخذ علامة يمتاز بها من يُطلِعه على
سر. وقيل: لو لم يُبْتَلَ العقلُ الذي هو أشرف البدن لاستمر العَالِم في أُبَّهَة
العلم على التمرد، فبذلك يَستأنس إلى التذلل بعز العبودية، والمتشابه هو
موضع خضوع العقول لباريها؛ استسلامًا واعترافًا بقصورها. ذكره في
"الفتح" (?)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في المراد بالمحكم
والمتشابه:
قال العلامة أبو عبد الله القرطبيّ -رحمه الله- في "تفسيره": اختَلَف العلماء في
المحكمات والمتشابهات على أقوال عديدة، فقال جابر بن عبد الله- وهو مقتضى
قول الشعبيّ، وسفيان الثوريّ، وغيرهم-: المحكمات من آي القرآن ما عُرِف
تأويله، وفُهِم معناه وتفسيره، والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل، مما
استأثر الله تعالى بعلمه دون خَلْقه. قال بعضهم: ذلك مثلُ وقت قيام الساعة،
وخروج يأجوج ومأجوج، والدجال، ونحو الحروف المقطعة في أوائل السور.
قال القرطبيّ: هذا أحسن ما قيل في المتشابه. وقال الربيع بن خيثم:
إن الله تعالى أنزل هذا القرآن فاستأثر منه بعلم ما شاء.
وقال أبو عثمان: المحكم فاتحة الكتاب التي لا تجزئ الصلاة إلا بها.
وقال محمد بن الفضل: سورة الإخلاص؛ لأنه ليس فيها إلا التوحيد فقط.
وقد قيل: القرآن كله محكم؛ لقوله تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ}. وقيل: كلّه
متشابه؛ لقوله: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا}.