ووَحَّد أم الكتاب، ولم يجمع، فيقول: هن أمهات الكتاب، وقد قال:
هنّ؛ لأنه أراد: جميعُ الآيات المحكمات أمُّ الكتاب، لا أن كل آية منهن أم
الكتاب، ولو كان معنى ذلك أن كل آية منهن أم الكتاب لكان لا شكّ قد قيل:
هن أمهات الكتاب.
ونظير قول الله -عز وجل-: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} على التأويل الذي قلنا في توحيد
الأم، وهي خبر لِـ {هُنَّ}: قوله تعالى ذِكره: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً}
[المؤمنون: 50]، ولم يقل: آيتين؛ لأن معناه: وجعلنا جميعهما آية؛ إذ كان
المعنى واحدًا فيما جُعلا فيه للخلق عِبْرةً.
ولو كان مراده الخبر عن كل واحد منهما على انفراده بأنه جُعل للخلق عبرة،
لقيل: وجعلنا ابن مريم وأمه آيتين؛ لأنه قد كان في كل واحد منهما لهم عبرة.
وذلك أن مريم وَلَدت من غير رجل، ونَطَق ابنها، فتكلم في المهد صبيًّا،
فكان في كل واحد منهما للناس آية
قال: وأما قوله: {مُتَشَابِهَاتٌ} فمان معناه: متشابهات في التلاوة،
مختلفات في المعنى، كما قال جل ثناؤه: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة: 25]؛
يعني: في المنظر، مختلفًا في المطعم، وكما قال مخبرًا عمن أخبر عنه من بني
إسرائيل أنه قال: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة: 70] يعنون بذلك: تشابه علينا
في الصفة، وإن اختلفت أنواعه.
فتأويل الكلام إذًا: إن الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في
السماء هو الذي أنزل عليك يا محمد القرآن منه ايات محكمات بالبيان، هنّ
أصل الكتاب الذي عليه عمادك، وعماد أمتك في الدِّين، وإليه مفزعك
ومفزعهم، فيما افترضتُ عليك وعليهم، من شرائع الإسلام، وآيات أخر هنّ
متشابهات في التلاوة، مختلفات في المعاني. انتهى كلام ابن جرير: -رحمه الله- (?).
(قَالَتْ) عائشة - رضي الله عنهما -: (قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية ابن ماجه: "فقال:
يا عائشة": ("إِذَا رَأَيْتُمُ) بضمير المخاطبين، وإنما عدل إلى الجمع للتنبيه على
أن معرفة هذا لا يخُصّ عائشة - رضي الله عنهما -، بل يعمّها وغيرها، وخاطب الغائبين،