لَقَدْ رَسَخَتْ فِي الصَّدْرِ مِنِّي مَوَدَّةٌ ... لِلَيْلَى أَبَتْ آيَاتُهَا أَنْ تَغَيَّرَا
ورَسَخ الإيمانُ في قلب فلان يَرْسَخ رُسوخًا. وحَكَى بعضهم: رَسَخَ
الغَديرُ: نَضَبَ ماؤه. حكاه ابن فارس، فهو من الأضداد، ورَسَخَ، ورَضَخَ،
ورَصُنَ، ورَسَبَ كُلُّه ثَبَت فيه.
وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الراسخين في العلم، فقال: "هو مَن بَرَّت يمينه،
وصَدَق لسانُه، واستقام قلبه" (?).
[فإن قيل]: كيف كان في القرآن متشابه؟ ، والله يقول: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]؟ ، فكيف لم يجعله كله
واضحًا؟ .
[قيل له]: الحكمة في ذلك - والله أعلم- أن يَظهَر فضلُ العلماء؛ لأنه لو
كان كله واضحًا لم يظهر فضل بعضهم على البعض، وهكذا يفعل من يُصَنِّف
تصنيفًا، يجعل بعضه واضحًا، وبعضه مشكلًا، ويترك لِلْجُثْوَة (?) موضعًا؛ لأنّ
ما وإن وجودُه، قَلَّ بهاؤه. انتهى كلام القرطبيّ (?).
وقال في "المرعاة": وحكمة وقوع المتشابه فيه: إعلام للعقول بقصورها؛
لتستسلم لبارئها، وتعترف بعجزها، وتَسلَم من العجب والغرور والتكبر
والتعزّز. انتهى.
وقوله: ({يَقُولُونَ}) خبر المبتدأ، ({آمَنَّا بِهِ})؛ أي: بالمتشابه،
ووكَلنا عِلمه إلى عالمه، ({كُلٌّ}) من المتشابه والمحكم، ({مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا})؛
أي: نزل من عنده، وهو حقّ وصواب.
وقال القرطبيّ: فيه ضمير عائد على كتاب الله محكمه ومتشابهه،
والتقدير: كله من عند ربنا، وحذف الضمير لدلالة "كلّ" عليه، إذ هي لفظة
تقتضي الإضافة. انتهى (?).