وقوله: "وفي كل خيرٌ" معناه: في كل من القويّ والضعيف خير؛

لاشتراكهما في الإيمان، مع ما يأتي به الضعيف من العبادات. انتهى (?).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "المؤمن القويّ خيرٌ إلخ "؛ أي: القويّ

البدن، والنفس، الماضي العزيمةِ، الذي يَصلح للقيام بوظائف العبادات، من

الصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر

على ما يُصيبه في ذلك، وغير ذلك مما يقوم به الدِّين، وتنهض به كلمة

المسلمين، فهذا هو الأفضل، والأكمل، وأما من لم يكن كذلك من المؤمنين،

ففيه خيرٌ من حيث كونه مؤمنًا، قائمًا بالصلوات، مكثّرًا لسواد المسلمين،

ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "وفي كل خيرٌ"، لكنه قد فاته الحظ الأكبر، والمقام الأفخر.

انتهى (?).

وقال الطيبيّ -رحمه الله-: قيل: أراد بالمؤمن القويّ: الذي قوي في إيمانه،

وصَلُب في إيقانه بحيث لا يرى الأسباب، ووَثِق بمسبِّب الأسباب، والمؤمن

الضعيف بخلافه، وهو أدنى مراتب الإيمان. قال: ويمكن أن يُذهَب إلى اللفّ

والنشر، فيكون قوله: "احرص على ما ينفعك" بيانًا للقويّ، وقوله: "ولا

تعجز" بيانًا للضعيف. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "لا يرى الأسباب" إن أراد أنه لا

يعتمد على الأسباب، فمسلَّم، وإن أراد أنه لا يأخذ بالأسباب أصلًا، فهذا لا

مدح فيه؛ لأنه خلاف هدي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ بالأسباب، ويحثّ

عليها، وهو سيّد المتوكلين.

وبالجملة فالواجب على العبد أن يأخذ بالأسباب، ولا يعتمد عليها، بل

يعتمد على الله -سبحانه وتعالى-، والله تعالى أعلم.

وقال القاري -رحمه الله-: قيل: المراد بالمؤمن القويّ: الصابر على مخالطة

الناس، وتحمّل أذيّتهم، وتعليمهم الخير، وإرشادهم إلى الهدى، ويؤيّده ما

أخرجه أحمد وغيره، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعًا: "المؤمن الذي يُخالط الناس،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015