وقوله: (كَمَا) قال الطيبيّ -رحمه الله-: إما حال من الضمير المنصوب في
"يهوّدانه" مثلًا، فالمعنى: يهوّدإن المولودَ بعد أن خُلق على الفطرة شَبيهًا
بالبهيمة التي جُدعت بعد أن خُلقت سليمةً، وإما صفة مصدر محذوف؛ أي:
يغيّرانه تغييرًا مثل تغييرهم البهيمة السليمة، فالأفعال الثلاثة؛ أعني: "يهوّدانه"،
و"ينصّرانه"، و"يُمجّسانه" تنازعن في "كما" على التقديرين.
وفي رواية للبخاريّ: "كمثل البهيمة تُنتج البهيمةَ"؛ أي: تَلِدها،
ف"البهيمةَ" الثانيةُ بالنصب على المفعولية.
وقوله: (تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ) - بضم أوله، وسكون النون، وفتح المثناة، بعدها
جيم- قال أهل اللغة: نُتجت الناقة على صيغة ما لم يُسَمَّ فاعله، تُنْتَج، بفتح
المثناة، وأَنتَجَ الرجلُ ناقته، يُنتِجُها إنتاجًا، قاله في "الفتح" (?).
وقال الفيّوميّ -رحمه الله-: "النِّتاج" بالكسر: اسم يَشمَل وَضْع البهائم من
الغنم، وغيرها، وإذا وَلي الإنسانُ ناقةً، أو شاة ماخِضًا حتى تضع قيل: نتَجَهَا
نَتْجًا، من باب ضرب، فالإنسان كالقابلة؛ لأنه يتلقى الولد، ويصلح من شأنه،
فهو نَاتِجٌ، والبهيمة مَنْتُوجَةٌ، والولد نَتِيجَةٌ، والأصل في الفعل أنْ يتعدّى إلى
مفعولين، فيقال: نتَجَهَا ولدًا؛ لأنّه بمعنى ولّدها ولدًا، وعليه قوله [من الوافر]:
هُمُ نَتَجُوكَ تَحْتَ اللّيْلِ سَقْبا ... خَبِيثَ الرِّيحِ مِنْ خَمْرٍ وَمَاءِ
وُيبنى الفعل للمفعول، فيُحذف الفاعل، ويقام المفعول الأول مُقامه،
ويقال: نُتِجَتِ النّاقَة ولدًا: إذا وضعته، ونُتِجَتِ الغنم أربعين سَخْلةً، وعليه قول
زهير [من الطويل]
فَتُنْتَجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُمْ ... كَأَحْمَرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ
ويجوز حَذْف المفعول الثاني اقتصارًا؛ لفهم المعنى، فيقال: نُتِجَتِ
الشاةُ، كما يقال: أُعطيَ زيدٌ، ويجوز إقامة المفعول الثاني مُقام الفاعل،
وحَذْف المفعول الأول؛ لِفَهم المعنى، فيقال: نُتِج الولدُ، ونُتِجَتِ السَّخلةُ،
أي: ولدت، كما يقال: أُعطي درهمٌ، وقد يقال: نَتَجَتِ الناقةُ ولدًا بالبناء
للفاعل، على معنى وَلَدت، أو حَمَلت، قال السَّرَقُسْطيّ: نَتَجَ الرجلُ الحاملَ،