وهذا المعنى أحسن ما قيل في الحديث، فما قُدّر من المصائب يجب
الاستسلام له، فإنه من تمام الرضى بالله ربّاً، وأما الذنوب فليسى للعبد أن
يُذنب، وإذا أذنب فعليه أن يستغفر، ويتوب، فيتوب من المعايب، ويصبر على
المصائب، قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [غافر: 55]، وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120]. انتهى كلام ابن أبي العزّ -رَحِمَهُ اللهُ- (?)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدّاً، والله
تعالى أعلم.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رَحِمَهُ اللهُ- أوّلَ الكتاب قال:
[6720] ( ... ) - (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ
عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
"تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْويْتَ
النَّاسَ، وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ آدَمُ: أَنْتَ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ،
وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَتَلُومُنى عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ
أَنْ أُخْلَقَ").
رجال هذا الإسناد: خمسة:
1 - (مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) إمام دار الهجرة، تقدّم قبل بابين.
2 - (أَبُو الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان القرشيّ مولاهم، أبو عبد الرحمن
المدنيّ، ثقةٌ فقيهٌ [5] (ت 130) وقيل: بعدها (ع) تقدم في "المقدمة" 5/ 30.
3 - (الأَعْرَجُ) عبد الرحمن بن هُرْمُز، أبو داود المدنيّ، مولى ربيعة بن
الحارث، ثقةٌ ثبتٌ فقيهٌ [3] (117) (ع) تقدم في "الإيمان" 23/ 192.
والباقيان ذُكرا في الحديثين الماضيين.
وقوله: (أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ)؛ أي: كنت سبباً لغَواية من غَوَى
منهم، وذلك أنه لو لم يقع الأكل من الشجرة لم يقع الإخراج من الجنة، ولو
لم يقع الإخراج ما تسلّط عليهم الشهوات والشيطان المسيِّب عنهما الإغواء،