السابق، ويقال له: إنك تجد فيه قصة هذه النطفة، وقد تكاثرت النصوص بذكر
الكتاب السابق بالسعادة والشقاوة، ففي "الصحيحين" عن عليّ بن أبي
طالب -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ أنه قال: "ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله
مكانها من الجنة أو النار، وإلا قد كُتبت شقية، أو سعيدة"، فقال رجل: يا
رسول الله أفلا نمكث على كتابنا، ونَدَع العمل؟ فقال: "اعملوا، فكل ميسَّر
لِمَا خُلق له، أما أهل السعادة فييسَّرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل
الشقاوة فييسَّرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ
بِالْحُسْنَى (6)} [الليل: 5، 6].
ففي هذا الحديث أن السعادة والشقاوة قد سبق الكتاب بهما، وأن ذلك
مقدَّر بحَسَب الأعمال، وأن كلّاً ميسَّر لِمَا خُلق له من الأعمال التي هي سبب
السعادة والشقاوة.
وفي "الصحيحين" عن عمران بن حصين قال: قال رجل: يا رسول الله،
أيُعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: "نعم، قال: فلِمَ يعمل العاملون؟ قال:
كلّ يَعمل لِمَا خُلق له، أولِما يُسّرله".
وقد رُوي هذا المعنى عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-من وجوه كثيرة.
وحديث ابن مسعود فيه: أن السعادة والشقاوة بحسب خواتيم الأعمال،
وقد قيل: إن قوله في آخر الحديث: "فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل
أهل الجنة، حتى ما يكون بينه ... " إلى آخر الحديث مدرج من كلام ابن
مسعود، كذلك رواه سلمة بن كُهيل عن زيد بن وهب، عن ابن مسعود من قوله،
وقد روي هذا المعنى عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من وجوه متعددة أيضًا، وفي "صحيح
البخاريّ" عن سهل بن سعد، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما الأعمال بالخواتيم"،
وفي "صحيح ابن حبان" عن عائشة -رضي الله عنهما-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما الأعمال
بالخواتيم"، وفيه أيضًا عن معاوية قال: سمعت النبيّ -صلى الله عليه وسل - يقول: "إنما الأعمال
بخواتيمها، كالوعاء إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خَبُث أعلاه خَبُث أسفله"،
وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الرجل ليعمل
الزمان الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يُختم له عمله بعمل أهل النار، وإن الرجل
ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار، ثم يُختم له عمله بعمل أهل الجنة".