وخرّج ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي ذرّ -رضي الله عنه-قال: إن المني يمكث في

الرحم أربعين ليلة، فيأتيه ملك النفوس، فيعرج به إلى الرحمن عزوجل، فيقول: يا

رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي الله عزوجل ما هو قاض، ثم يقول: يا رب أشقيّ أم

سعيد؟ فيكتب ما هو لاقٍ بين يديه، ثم تلا أبو ذز من فاتحة سورة التغابن إلى

قوله: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [التغابن: 3]. فهذا كله يوافق ما في

حديث حذيفة بن أَسِيد، وقد تقدم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن كتابة الملك تكون

بعد نفخ الروح بأربعين ليلة، وأن إسناده فيه نظر.

وقد جمع بعضهم بين هذه الأحاديث والآثار، وبين حديث ابن مسعود،

فأثبت الكتابة مرتين، وقد يقال مع ذلك: إن أحدهما في السماء، والآخر في

بطن الأم، والأظهر والله أعلم أنها مرة واحدة، ولعل ذلك يختلف باختلاف

الأجنّة، فبعضهم يكتب له ذلك بعد الأربعين الأُولى، وبعضهم بعد الأربعين

الثالثة.

وقد يقال: إن لفظة "ثم" في حديث ابن مسعود إنما يراد بها ترتيب

الأخبار، لا ترتيب المخبَر عنه في نفسه، والله أعلم.

ومن المتأخرين من رجح أن الكتابة تكون في أول الأربعين الثانية، كما

دلّ عليه حديث حذيفة بن أسيد، وقال: إنما أخّر ذِكرها في حديث ابن مسعود

إلى ما بعد ذِكر المضغة، وأن ذكره بلفظ "ثم"؛ لئلا ينقطع ذِكر الأطوار الثلاثة

التي يتقلب فيها الجنين، وهو كونه نطفة، وعلقة، ومضغة، فإنّ ذكر هذه الثلاثة

على نسق واحد أعجب، وأحسن، ولذلك أخّر المعطوف عليها، وإن كان

المعطوف متقدّمًا على بعضها في الترتيب، واستشهد لذلك بقوله: {وَبَدَأَ خَلْقَ

الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} الآية [السجدة: 7 - 9]،

والمراد بالإنسان: آدم عليه السلام، ومعلوم أن تسويته، ونفخ الروح فيه كان قبل جعل

نَسْله من سلالة من ماء مهين، لكن لمّا كان المقصود ذِكر قدرة الله عزوجل في

مبدأ خَلْق آدم، وخَلْق نَسْله، عُطِف ذِكر أحدهما على الآخر، وأُخِّر ذكر تسوية

آدم، ونَفْخ الروح، وإن كان ذلك متوسطًا بين خلق آدم من طين، وبين خلق

نسله، والله أعلم.

وقد ورد أن هذه الكتابة تكتب بين عيني الجنين، ففي "مسند البزار" عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015