وقد رُوي عن ابن مسعود نفسه ما يدلّ على أن تصويره قد يقع قبل
الأربعين الثالثة أيضًا، فروى الشعبيّ عن علقمة، عن ابن مسعود فقال: النطفة
إذا استقرّت في الرحم جاءها ملك، فأخذها بكفه، فقال: أيْ رب مخلّقة أم
غير مخلقة؟ فإن قيل: غير مخلّقة لم تكن نسمةً، وقَذَفتها الأرحام في دمًا، وإن
قيل: مخلقة، قال: أيْ رب ذكر أم أنثى؟ شقيّ أم سعيد؟ ما الأجل؟ وما
الأثر؟ وبأيّ أرض تموت؟ قال: فيقال للنطفة: من ربكِ؟ فتقول: الله، فيقال:
من رازقك؟ فتقول: الله، فيقال: اذهب إلى أم الكتاب، فإنك تجد فيه قصة
هذه النطفة، قال: فتُخلق، فتعيش في أجَلها، وتأكل في رزقها، وتطأ في
أثرها، حتى إذا جاء أجلها ماتت، فدُفنت في ذلك، ثم تلا الشعبيّ هذه الآية:
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ
مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ} الآية [الحج: 5]، فإذا بلغت مضغة نكست في
الخلق الرابع، فكانت نسمة، فإن كانت غير مخلّقة قذفتها الأرحام دمًا، وإن
كانت مخلقةً نكست نسمة. خرّجه ابن أبي حاتم وغيره.
وقد رُوي من وجه آخر عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن لا تصوير قبل ثمانين
يومًا، فرَوَى السّدّيّ عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-،
وعن مُرّة الْهَمْدانيّ، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في
قوله عزوجل: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران: 6] قال: إذا
وقعت النطفة في الأرحام، طارت في الجسد أربعين يومًا، ثم تكون علقةً
أربعين يومًا، ثم تكون مضغة أربعين يومًا، فإذا بلغ أن تُخَلَّق بعث الله ملكًا
يصوّرها، فيأتي الملك بتراب بين إصبعيه، فيخلطه في المضغة، ثم يعجنه بها،
ثم يصوّرها كما يؤمر، فيقول: أذكر أم أنثى؟ شقيّ أم سعيد؟ وما رزقه؟ وما
عمره؟ وما أثره؟ وما مصائبه؟ فيقول الله تبارك وتعالى، فيكتب الملك، فإذا
مات ذلك الجسد دُفن حيث أُخذ ذلك التراب. خرّجه ابن جرير الطبريّ في
"تفسيره"، ولكن السّدّيّ مختلف في أمره، وكان الإمام أحمد يُنكر عليه جَمْعه
الأسانيد المتعدّدة للتفسير الواحد، كما كان هو وغيره ينكرون على الواقديّ
جَمْعه الأسانيد المتعددة للحديث الواحد.
وقد أخذ طوائف من الفقهاء بظاهر هذه الرواية، وتأوّلوا حديث ابن