عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها"، أو أكمل الراوي، لكن استبعد
عمر وقوعه، وإن كان جائزًا، ويكون إيراده على سبيل التخويف من سوء
الخاتمة. انتهى (?)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الخامسة): هذا الحديث يعارضه ما أخرجه الشيخان من حديث
أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "لن يُدخِل أحدًا منكم عمَلُهُ الجنةَ، قالوا: ولا أنت يا
رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمَّدني الله بفضل ورحمته ... " الحديث.
وأجاب ابن بطال رحمه الله عن ذلك بأن تُحمل الآية- أي: وكذا حديث
الباب- على أن الجنة تُنال المنازل فيها بالأعمال، فإن درجات الجنة متفاوتة
بحسب تفاوت الأعمال، وأن يُحمَل الحديث المذكور على دخول الجنة،
والخلود فيها.
ثم أورد على هذا الجواب قوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32]، فصَرّح بأن دخول الجنة أيضًا بالأعمال.
وأجاب بأنه لفظ مُجمَل بيّنه الحديث، والتقدير: ادخلوا منازل الجنة
وقصورها بما كنتم تعملون، وليس المراد بذلك أصل الدخول.
ثم قال: ويجوز أن يكون الحديث مُفَسِّرًا للآية، والتقدير: ادخلوها بما
كنتم تعملون مع رحمة الله لكم، وتفضّله عليكم؛ لأن اقتسام منازل الجنة
برحمته، وكذا أصل دخول الجنة هو برحمته، حيث ألهم العاملين ما نالوا به
ذلك، ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته وفضله، وقد تفضّل عليهم
ابتداء بإيجادهم، ثم برزقهم، ثم بتعليمهم.
وقال القاضي عياض رحمه الله: طريق الجمع أن الحديث فسّر ما أُجمل في
الآية. فذَكر نحوًا من كلام ابن بطال الأخير، وأن من رحمة الله توفيقَهُ للعمل،
وهدايته للطاعة، وكل ذلك لم يستحقه العامل بعمله، وإنما هو بفضل الله وبرحمته.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: يتحصل عن ذلك أربعة أجوبة:
(الأول): أن التوفيق للعمل من رحمة الله، ولولا رحمة الله السابقة ما
حصل الإيمان، ولا الطاعة التي يحصل بها النجاة.