الأرض لكثافتها بغير فتق، ثم فُتِقَتَا معًا، ولمّا خلق آدم، فصوّره من الماء
والطين، تركه مدة، ثم نفخ فيه الروح.
21 - (ومنها): أن الداوديّ استدل بقوله: "فتدخل النار" على أن الخبر
خاص بالكفار، واحتج بأن الإيمان لا يُحبطه إلا الكفر.
وتُعُقِّب بأنه ليس في الحديث تَعَرّض للإحباط، وحَمْله على المعنى الأعم
أَولى، فيتناول المؤمن حتى يُختَم له بعمل الكافر مثلًا فيرتدّ، فيموت على
ذلك، فنستعيذ بالله من ذلك، ويتناول المطيع حتى يُختم له بعمل العاصي،
فيموت على ذلك، ولا يلزم من إطلاق دخول النار أنه يُخَلَّد فيها أبدًا، بل
مجرد الدخول صادق على الطائفتين.
22 - (ومنها): أنه استُدِلّ به على أنه لا يجب على الله رعاية الأصلح،
خلافًا لمن قال به من المعتزلة؛ لأن فيه أن بعض الناس يذهب جميعُ عمره في
طاعة الله، ثم يُختم له بالكفر- والعياذ بالله- فيموت على ذلك، فيدخل النار،
فلو كان يجب عليه رعاية الأصلح لم يَحبِط جميع عمله الصالح بكلمة الكفر
التي مات عليها، ولا سيما إن طال عمره، وقَرُب موته من كفره.
23 - (ومنها): أنه استَدَلّ به بعض المعتزلة على أن مَن عَمِل عمل أهل
النار وجب أن يدخلها؛ لترتُّب دخولها في الخبر على العمل، وترتبُ الحكم
على الشيء يُشعِر بعلّيته.
وأُجيب بانه علامة لا علة، والعلامة قد تتخلف، سلّمنا أنه علة، لكنه في
حق الكفار، وأما العصاة فخرجوا بدليل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116]، فمن لم يُشرك فهو داخل في المشيئة.
24 - (ومنها): أنه استَدَلّ به الأشعريّ في تجويزه تكليف ما لا يطاق؛
لأنه دلّ على أن الله كَلَّفَ العباد كلهم بالإيمان، مع أنه قَدَّرَ على بعضهم أنه
يموت على الكفر.
وقد قيل: إن هذه المسألة لم يثبت وقوعها إلا في الإيمان خاصة، وما
عداه لا توجد دلالة قطعية على وقوعه، وأما مطلق الجواز فحاصل.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تعقّب بعض المحقّقين هذا
الاستدلال، وأجاد في ذلك، فقال: إطلاق القول بالتكليف بما لا يُطاق من