جعلها نفس الإقبال والإدبار؛ لكثرة وقوع ذلك منها.
قال القرطبيّ في "المفهم": المراد: أن المنيّ يقع في الرحم حين
انزعاجه بالقوّة الشهوانية الدافعة مبثوثًا متفرقًا، فيجمعه الله في محل الولادة من
الرحم في هذه المدّة (?).
(أَرْبَعِينَ يَوْمًا) في رواية وكيع الآتية: "أربعين ليلة"، وفي رواية معاذ عن
شعبة: "أربعين يومًا، أو أربعين ليلة" بالشكّ، وفي حديث جرير وعيسى:
"أربعين يومًا".
وقال في "الفتح": قوله: "أربعين يومًا" زاد في رواية آدم: "أو أربعين
ليلة"، وكذا لأكثر الرواة عن شعبة بالشكّ، وفي رواية يحيى القطان، ووكيع،
وجرير، وعيسى بن يونس: "أربعين يومًا" بغير شكّ، وفي رواية سلمة بن
كهيل: "أربعين ليلة" بغير شكّ.
ويُجمع بأن المراد: يوم بليلته، أو ليلة بيومها. ووقع عند أبي عوانة من
رواية وهب بن جرير، عن شعبة مثل رواية آدم، لكن زاد "نطفة" بين قوله:
"أحدكم" وبين قوله: "أربعين"، فبيّن أن الذي يُجمع هو النطفة، والمراد
بالنطفة: المنيّ، وأصله: الماء الصافي القليل، والأصل في ذلك: أن ماء
الرجل إذا لاقى ماء المرأة بالجماع، وأراد الله أن يخلق من ذلك: جنينًا هيّأ
أسباب ذلك؛ لأن في رحم المرأة قوتين: قوّة انبساط عند ورود منيّ الرجل،
حتى ينتشر في جسد المرأة، وقوّة انقباض بحيث لا يسيل من فرجها مع كونه
منكوسًا، ومع كون المنيّ ثقيلًا بطبعه، وفي منيّ الرجل قوة الفعل، وفي منيّ
المرأة قوة الانفعال، فعند الامتزاج يصير منيّ الرجل كالإنفَحَة للَّبَن، وقيل: في
كل منهما قوّة فعل وانفعال، لكن الأول في الرجل أكثر، وبالعكس في المرأة.
وزعم كثير من أهل التشريح أن منيّ الرجل لا أثر له في الولد إلا في
عَقْده، وأنه إنما يتكون من دم الحيض، وأحاديث الباب تُبطل ذلك، وما ذُكر
أوّلًا أقرب إلى موافقة الحديث، والله أعلم.
وقال ابن الأثير رحمه الله في "النهاية": يجوز أن يريد بالجمع: مُكث النطفة