قال الراغب الأصبهانيّ رحمه الله: "القدَر" بوضعه يدلّ على القدرة، وعلى

المقدور الكائن بالعلم، ويتضمن الإرادة عقلًا، والقول نقلًا، وحاصله وجود

شيء في وقتٍ، وعلى حالٍ بوفق العلم والإرادة، والقول، وقَدَّر الله الشيءَ

بالتشديد: قضاه، ويجوز بالتخفيف، وقال ابن القطاع: قدّر الله الشيء: جعله

بقدَرٍ، والرزقَ صَنَعه، وعلى الشيء مَلَكه.

والقضاء: الحكم بالكليّات على سبيل الإجمال في الأزل، والقدر:

الحكم بوقوع الجزئيّات التي لتلك الكلّيّات على سبيل التفصيل (?).

وقال الكرماني: المراد بالقدر: حُكم الله، قال العلماء: القضاء: هو

الحكم الكلي الإجمالي في الأزل، والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله (?).

والمراد أن الله تعالى عَلِمَ مقادير الأشياء، وأزمانها قبل إيجادها، ثم

أوجد ما سبق في علمه أنه يوجَدُ، فكل مُحدَث صادر عن علمه وقدرته

وإرادته، هذا هو المعلوم من الدِّين بالبراهين القطعية، وعليه كان السلف من

الصحابة، وخيار التابعين، إلى أن حَدَثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة،

وقد روى مسلم القصة في ذلك من طريق كهمس، عن ابن بُرَيدة، عن يحيى بن

يعمر قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة: مَعْبَدٌ الجهني، قال: فانطلقت

أنا وحميد الحميري، فذَكر اجتماعهما بعبد الله بن عمر، وأنه سأله عن ذلك،

فأخبره بأنه بريء ممن يقول ذلك، وأن الله لا يقبل ممن لم يؤمن بالقدر عَمَلًا.

وقد حَكَى الْمُصَنِّفون في المقالات عن طوائف من القدرية إنكار كون البارئ

عالمًا بشيء من أعمال العباد قبل وقوعها منهم، وإنما يَعلَمها بعد كونها. قال

القرطبي وغيره: قد انقرض هذا المذهب، ولا نَعرِف أحدًا يُنسَب إليه من

المتأخرين، قال: والقدرية اليوم مُطبِقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل

وقوعها، وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن أفعال العباد مقدورة لهم، وواقعة

منهم على جهة الاستقلال، وهو مع كونه مذهبًا باطلًا أخفّ من المذهب

الأول، وأما المتأخرون منهم، فأنكروا تعلق الإرادة بأفعال العباد فرارًا من

تعلق القديم بالمحدث، وهم مخصومون بما قال الشافعي: إن سَلَّمَ القدري

طور بواسطة نورين ميديا © 2015