يتّكلوا؛ لأن موت الاثنين غالبًا أكثر من موت الثلاثة، كما وقع في حديث معاذ

وغيره في الشهادة بالتوحيد، ثم لمّا سئل عن ذلك لم يكن بُدّ من الجواب،

والله تعالى أعلم (?).

وقال في "الفتح" أيضًا: قال ابن التين تبعًا لعياض: هذا يدلّ على أن

مفهوم العدد ليس بحجة؛ لأن الصحابية من أهل اللسان، ولم تعتبره؛ إذ لو

اعتبرته لانتفى الحكم عندها عما عدا الثلاثة، لكنها جَوّزت ذلك، فسألته.

قال الحافظ: كذا قال، والظاهر أنها اعتَبَرت مفهوم العدد؛ إذ لو لم

تعتبره لم تسأل، والتحقيق: أن دلالة مفهوم العدد ليست يقينيّة، وإنما هي

مُحْتَمِلة، ومن ثَمّ وقع السؤال عن ذلك، قال القرطبيّ: وإنما خصت الثلاثة

بالذِّكر؛ لأنها أول مراتب الكثرة، فبِعِظَم المصيبة يكثر الأجر، فأما إذا زاد

عليها فقد يَخِفّ أمر المصيبة؛ لأنها تصير كالعادة، كما قيل: رُوِّعْتُ بِالْبَيْنِ

حَتَّى مَا أُرَاعُ لَهُ. انتهى.

قال الحافظ: وهذا مصير منه إلى انحصار الأجر المذكور في الثلاثة، ثم

في الاثنين، بخلاف الأربعة، والخمسة، وهو جمود شديدٌ، فإن من مات له أربعة

فقد مات له ثلاثةُ ضرورةً؛ لأنهم إن ماتوا دفعة واحدة فقد مات له ثلاثة وزيادة،

ولا خفاء بأن المصيبة بذلك أشدّ، وإن ماتوا واحدًا بعد واحد، فإن الأجر

يحصل له عند موت الثالث بمقتضى وَعْد الصادق، فيلزم على قول القرطبيّ أنه إن

مات له الرابع أن يرتفع عنه ذلك الأجر، مع تجدِد المصيبة، وكفى بهذا فسادًا،

والحقّ: أن تناول الخبر الأربعة فما فوقها من بابِ أَولى، وأحرى.

ويؤيد ذلك أنهم لم يسألوا عن الأربعة، ولا ما فوقها؛ لأنه كالمعلوم

عندهم؛ إذ المصيبة إذا كَثُرت كان الأجر أعظم، والله أعلم.

وقال القرطبيّ أيضًا: يَحْتَمِل أن يفترق الحال في ذلك بافتراق حال

المصاب، من زيادة رِقّة القلب، وشدّة الحبّ، ونحو ذلك، وقد قدمنا الجواب

عن ذلك. انتهى كلام الحافظ (?)، وهو تحقيق نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015