فقالت: (أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)} [الشورى: 51] هكذا في النسخ التي عندي، {وَمَا كَانَ} بالواو كما هو التلاوة، وقال النوويّ في "شرحه": قوله: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} وهكذا هو في معظم الأصول بحذف الواو، والتلاوةُ: {وَمَا كَانَ} بإثبات الواو، ولكن لا يضرّ هذا في الرواية، والاستدلال؛ لأن المستدل ليس مقصوده التلاوة على وجهها، وإنما مقصوده بيان موضع الدلالة، ولا يؤثِّر حذف الواو في ذلك، وقد جاء لهذا نظائر كثيرة في الحديث، منها: قوله: "فأنزل الله تعالى: "وأقم الصلاة طرفي النهار، وقوله تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} ". هكذا هو في روايات الحديثين في "الصحيحين"، والتلاوة بالواو فيهما. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا قال النوويّ: في معظم النسخ، لكن الواقع في النسخ الموجودة عندي بالواو كما هو التلاوة، حتى في النسخة التي عليها شرح النوويّ، والنسخ التي شرحها الأبيّ، والسنوسيّ، ونسخة محمد ذهني، وهي أحسن النسخ التي اعتمدت عليها في هذا الشرح غالبًا، فكلها وقع فيها كالتلاوة، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
قال الإمام ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ - في تفسير هذه الآية ما نصّه: هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الله - عَزَّ وَجَلَّ -، وهو أنه تبارك وتعالى تارةً يَقْذِف في رُوع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، لا يتمارى فيه أنه من الله - عَزَّ وَجَلَّ -، كما جاء في "صحيح ابن حبان" عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن رُوح القدس نَفَثَ في رُوعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله، وأجملوا الطلب".
وقوله تعالى: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} كما كان لموسى عليه الصلاة والسلام، فإنه سأل الرؤية بعد التكليم، فحُجِب عنها، وفي "الصحيح": أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: "ما كلَّم الله أحدًا إلَّا من وراء حجاب، وإنه كلَّم أباك كِفَاحًا (?) "، كذا جاء في الحديث، وكان قد قُتل يوم أُحُد، ولكن هذا في عالم البرزخ، والآية إنما هي في الدار الدنيا.