(وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى) بفتح الهمزة، وهو معطوف على "أن رجلاً"؛ أي: وحَدّث
أن الله تعالى قال، وبكسرها على أن الجملة حاليّة؛ أي: والحال أن الله تعالى
قال. (قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ) -بفتح الهمزة، وتشديد اللام المفتوحة-:
أي: يتحكّم عليّ، ويحلف باسمي، من الأَلِيّة، وهي اليمين، يقال: آلى يُولي
إيلاءً، وائتلى يأتلي ائتلاءً، وتَأَلَّى يَتَأَلَّى؛ أي: حَلَف، والاسم الأليّة (?).
وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا وراد على الإنكار والتهديد، وكان من الظاهر أن
يقال: أنت الذي تتألّى عليّ، يدلّ عليه الالتفات في قوله: "أحبطت عملك"،
فعَدَل منه شاكياً صنيعه لغيره، معرضاً عنه، فلا يجوز لأحد الجزم بالجنة، أو
النار، أو عدم المغفرة، إلا لمن ورد فيه النصّ.
وقال ابن الجوزيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: يتألى بمعنى يحلف، والأليّة: اليمين، والإحباط:
الإبطال، وهذا المتألي جَهِل سَعَة الكرم، فعوقب بإحباط العمل. انتهى (?).
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "من ذا الذي يتألّى عليّ؟ " استفهام على جهة
الإنكار، والوعيد، ويُستفاد منه تحريم الإدلال على الله تعالى، ووجوب التأدّب
معه في الأقوال، والأحوال، وأن حقّ العبد أن يعامل نفسه بأحكام العبوديّة،
ومولاه بما يجب له من أحكام الإلهية، والربوبيّة. انتهى (?).
(أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ) ترغيماً لأنفك، (وَأَحْبَطْتُ)؛
أي: محوت، وأزلت من صحيفتك (عَمَلَكَ")؛ أي: العمل الصالح بسبب
جريمتك هذه، وقال المظهر: أي: أبطلت قَسَمك، وجعلت حَلِفك كاذباً؛ لِمَا
ورد في حديث آخر: "من يتألَّى على الله يكذبه"، فلا مُتَمَسَّك للمعتزلة أن
صاحب الكبيرة مع عدم الاستحلال يُخَلَّد في النار، كالكفر، يُحبط عمله،
قال: لا يجوز لأحد الجزم بالجنة أو النار، إلا لمن ورد فيه نصّ، كالعشرة
المبشرة بالجنة.
فإن قلنا: إن قوله هذا كفر، فأحبطتُ عملك ظاهر، وإن قلنا: إنه