وأشار عياض إلى ترجيح هذا الاحتمال الأخير، فقال: يَحْتَمِل أن يكون
ما ذَكَره من سبّ ودعاء غير مقصود، ولا منويّ، لكن جرى على عادة العرب
في دَعْم كلامها، وَصِلة خطابها عند الحرج، والتأكيد للعتب، لا على نية وقوع
ذلك؛ كقولهم: عَقْرَي، حَلْقَي، وتربت يمينك، فأشفق من موافقة أمثالها
القدَرَ، فعاهد ربه، ورَغِب إليه أن يجعل ذلك القول رحمةً، وقربة انتهى.
قال الحافظ: وهذا الاحتمال حسنٌ، إلَّا أنه يَرِد عليه قوله: "جلدته"،
فإن هذا الجواب لا يتمشى فيه؛ إذ لا يقع الجَلْد عن غير قصد، وقد ساق
الجميع مساقًا واحدًا، إلَّا إن حُمِل على الجلدة الواحدة، فيتجه.
ثم أبدى القاضي احتمالًا آخر، فقال: كان لا يقول، ولا يفعل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في
حال غضبه إلَّا الحقّ، لكن غضبه لله قد يحمله على تعجيل معاقبة مخالفه،
وترك الإغضاء، والصفح، ويؤيِّده حديث عائشة - رضي الله عنها -: "ما انتَقَم لنفسه قطّ، إلَّا
أن تُنتَهَك حُرُمات الله"، وهو في "الصحيح".
قال الحافظ: فعلى هذا، فمعنى قوله: "ليس لها بأهل"؛ أي: من جهة
تعيّن التعجيل. انتهى ما في "الفتح" (?)، وهو تحقيق مفيدٌ، والله تعالى أعلم.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا متَّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [25/ 6593 و 6595 و 6596 و 6597 و 6598
و6599 و 6600 و 6601] (2601)، و (البخاريّ) في "الدعوات" (6361)،
و(ابن أبي شيبة) في "مصنّفه" (6/ 71)، و (أحمد) في "مسنده" (2/ 390 و 488
و496 و 3/ 400)، و (الدارميّ) في "سننه" (2/ 406)، و (البيهقيّ) في "الكبرى"
(7/ 61)، و (ابن عساكر) في "تاريخ دمشق" (4/ 89)، والله تعالى أعلم.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رَحِمَهُ اللهُ - أوّلَ الكتاب قال:
[6594] (2602) - (وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ
أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ: "زَكَاةً، وَأَجْرًا").