محرّم وكبيرة، والأنبياء - عَلَيْهِمُ السَّلَامْ - معصومون عن الكبائر، إما بدليل العقل، أو بدليل
الإجماع، كما تقدَّم؟
[قلت]: قد أشكل هذا على العلماء، ورَامُوا التخلص من ذلك بأوجه
متعددة، أوضحها وجه واحد، وهو أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما يغضب لِمَا يرى من
المغضوب عليه من مخالفة الشرع، فغَضَبُه لله تعالي، لا لنفسه، فإنَّه ما كان
يغضب لنفسه، ولا ينتقم لها، وقد قرّرنا في الأصول أن الظاهر من
غضبه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحريم الفعل المغضوب من أجله، وعلى هذا فيجوز له أن يؤدّب
المخالِف له باللعن، والسبّ، والجلد، والدعاء عليه بالمكروه، وذلك
بحسب مخالفة المخالِف، غير أن ذلك المخالف قد يكون ما صدر منه
فلتة، أوْجبتها غفلة، أو غلبة نفس، أو شيطان، وله فيما بينه وبين الله تعالى
عمل خالص، وحالٌ صادق، يدفع الله عنه بسبب ذلك أثر ما صدر عن
النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له من ذلك القول، أو الفعل، وعن هذا عبّر النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله:
"فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة، ليس لها بأهل أن تجعلها له
طهورًا، وزكاةً، وقربةً تقرّبه بها يوم القيامة"؛ أي: عَوِّضه من تلك الدعوة
بذلك، والله تعالى أعلم.