وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رَحِمَهُ اللهُ - أوّلَ الكتاب قال:
[6585] (2597) - (حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ بِلَالٍ - عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا").
رجال هذا الإسناد: ستةٌ:
1 - (هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ) تقدّم قريبًا.
2 - (سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ) أبو أيوب المدنيّ، تقدّم قريبًا.
والباقون ذُكروا قبل باب، وقبل ثلاثة أبواب.
شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ)؛ - رضي الله عنه - (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ) - بفتح
الصاد المهملة، وتشديد الدال المهملة - فَعِيل، من صيغ المبالغة، والتكثير،
وهو الكثير الصدق، والتصديق، كما قد تقرّر في صفة أبي بكر - رضي الله عنه -. (أَنْ
يَكُونَ لَعَّانًا) - بفح اللام، وتشديد العين المهملة - فَعّال من صيغ المبالغة
والتكثير أيضًا، وهو الكثير اللّعن، وقد تقدَّم أن أصل اللعن: الطرد والإبعاد،
وهو في الشرع: البُعد عن رحمة الله تعالى وثوابه إلى نار الله وعقابه، وأن لعن
المؤمن كبيرة من الكبائر، إذ قد قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لعن المؤمن كقتله"، متّفقٌ عليه.
ومعنى هذا الحديث: أن من كان صادقًا في أقواله، وأفعاله، مصدِّقًا
بمعنى اللعنة الشرعية، لَمْ تكن كثرة اللعن من خُلُقه؛ لأنه إذا لَعَن من لا
يستحق اللعنة الشرعية، فقد دعا عليه بأن يُبْعَد من رحمة الله، وجنّته، ويدخل
في ناره، وسَخَطه، والإكثار من هذا يناقض أوصاف الصّدّيقين، فإنَّ من أعظم
صفاتهم الشفقة، والرحمة للحيوان مطلقًا، وخصوصًا بني آدم، وخصوصًا
المؤمن، فإنَّ المؤمنين كالجسد الواحد، وكالبنيان؛ كما تقدَّم، فكيف يليق أن
يُدْعَى عليهم باللعنة التي معناها الهلاك، والخلود في نار الآخرة، فمن كَثُر منه
اللعن، فقد سُلِب منصب الصدّيقيّة، ومن سُلِبه فقد سُلب منصب الشفاعة،
والشهادة الأخرويّة، كما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يكون اللعّانون شفعاء، ولا شُهداء يوم
القيامة".