رسول الله، حين رأيت الرجل، قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه،
وانبسطت إليه؟ "، (ثُمَّ) لمّا دخل عليك (أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ)؛ أي: كلّمته بكلام ليّن
لطيف، (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("يَا عَائِشَةُ) وفي رواية البخاريّ: "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا
عائشة، متى عهدتني فحّاشًا"، وفي رواية: "فاحشًا"، وقوله: (إِنَّ شَرَّ النَّاسِ)
استئناف كلام؛ كالتعليل لِتَرْكه -صلى الله عليه وسلم- مواجهته بما ذَكَره في غيبته، قاله في
"الفتح" (?). (مَنْزِلَةً) منصوب على التمييز، (عِنْدَ اللهِ) تعالى (يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ
وَدَعَهُ) بفتحات، قال المازريّ (?): ذكر بعض النحاة أن العرب أماتوا مصدر
يَدَعَ، وماضيه، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- أفصح العرب، وقد نَطَق بالمصدر في قوله: "لينتهينّ
أقوام عن وَدْعِهم الجُمعات"، وبماضيه في هذا الحديث، وأجاب عياض (?) بأن
المراد بقولهم: أماتوه؛ أي: تركوا استعماله إلا نادرًا، قال: ولفظ "أماتوا"
يدلّ عليه، ويؤيد ذلك أنه لم يُنقل في الحديث إلا في هذين الحديثين، مع
شكّ الراوي في حديث الباب، مع كثرة استعمال "ترك"، ولم يقل أحد من
النحاة: إنه لا يجوز. انتهى (?).
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "من وَدَعه، أو تركه الناس ... إلخ" هذا
شكٌّ من بعض الرواة في أيّ اللفظين قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فإن كان الصحيح
"وَدَعَه"، فقد تكلّم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالأصل المرفوض، كما قد تكلّم به الشاعر الذي
هو أنس بن زُنيم في قوله [من الرمل]:
سَلْ أَمِيرِي مَا الَّذِي غَيَّرَهُ ... عَنْ وِصَالِي الْيَوْمَ حَتَّى وَدَعَهْ
وقد حُكي عن بعض السلف أنه قرأ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (?)}
[الضحى: 3]، بتخفيف الدال، وقد صحّ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه تكلّم بمصدر ذلك
المرفوض، حيث قال: "لينتهينّ أقوام عن وَدْعهم الجمعات، أو ليختمنّ الله
على قلوبهم" (?)، وهذا كلّه يردّ على من قال من النحويين: إن العرب قد أماتت
ماضي هذا الفعل، ومصدره، ولا يُتكلّم به استغناءً عن ذلك بتركه، فان أراد به