الواحديّ: هذا قول جمهور المفسرين إن المراد: القوس التي يُرْمَى بها، قال: وقيل: المراد بها الذراع؛ لأنه يقاس بها الشيء.
قال الحافظ: وينبغي أن يكون هذا القول هو الراجح، فقد أخرج ابن مردويه بإسناد صحيح، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "القاب": القَدْرُ، والقوسين: الذراعان، ويؤيده أنه لو كان المراد به القوس التي يُرْمَى بها لم يُمَثّل بذلك ليحتاج إلى التثنية، فكان يقال مثلًا: قابَ رُمْح، أو نحو ذلك، وقد قيل: إنه على القلب، والمراد: قابَ قَوْسٍ؛ لأن القاب ما بين الْمَقْبِض إلى السِّيَة، فلكل قوس قابان بالنسبة إلى خالفته.
وقوله: {أَوْ أَدْنَى} أي أقرب، قال الزجاج: خاطب الله العرب بما أَلِفُوا، والمعنى: فيما تقدرون أنتم عليه، والله تعالى عالم بالأشياء على ما هي عليه، لا تَرَدُّد عنده، وقيل: "أَوْ" بمعنى "بَلْ " والتقدير: بل هو أقرب من القدر المذكور.
وقال الألوسيّ رحمه الله: {فَكَانَ} أي جبريل؛ من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - {قَابَ قَوْسَيْنِ} أي قَوْسَي العرب؛ لأن الإطلاق ينصرف إلى متعارفهم، و"القاب"، وكذا "القِيب"، و"القَاد"، و"القِيد"، و"القِيس": المقدار، وقرأ زيد بن عليّ: "قاد"، وقُرئ: "قِيد"، و"قدر"، وقد جاء التقدير بالقوس، كالرمح، والذراع، وغيرهما، ويقال على ما بين مَقبِض القوس وسيتها، وهي ما عُطف من طرفيها، فلكلّ قوس قابان، وفُسّر به هنا، قيل: وفي الكلام عليه قلبٌ، أي فكان قابي قوس.
وفي "الكشف": لك أن تقول: قابا قوس، وقاب قوسين واحد دون قلب، وعن مجاهد، والحسن: أن قاب القوس ما بين وترها ومقبضها، ولا حاجة إلى القلب عليه أيضًا، فإن هذا على ما قال الخفاجيّ إشارة إلى ما كانت العرب في الجاهليّة تفعله إذا تحالفوا، فإنهم كانوا يُخرجون قوسين، ويُلصقون إحداهما بالأخرى، فيكون القاب ملاصقًا للآخر حتى كأنهما ذا قاب واحد، ثم يَنزعهما معًا، ويرمون بهما سهمًا واحدًا، فيكون ذلك إشارة إلى أن رضا أحدهم رضا الآخر، وسخطه سخطه، لا يُمكن خلافه.
وعن ابن عبّاس: القوس هنا ذراع يقاس به الأطوال، وإليه ذهب أبو