بسم الله الرحمن الرحيم
قال الجامع عفا الله عنه: بدأتُ بكتابة الجزء الأربعين من شرح
"صحيح الإمام مسلم- المسمّى- البحر المحيط الثجّاج في شرح
صحيح الإمام مسلم بن الحجّاج رحمه الله" يوم الخميس الخامس
والعشرين من شهر صفر المبارك (25/ 2/ 1433 هـ).
(47) - (بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ غِفَارَ، وَأَسْلَمَ، وَجُهَيْنَةَ،
وَأَشْجَعَ، وَمُزَيْنَةَ)
قال القرطبيّ رحمه الله: هؤلاء القبائل، وأسلم، وغفار، ومَن كان نحوهم،
كانوا بالجاهلية خاملين، لم يكونوا من ساداتِ العرب، ولا مِن رؤسائها، كما
كانت بنو تميم، وبنو مُرّة، وبنو أسدٍ، وغطفان، ألا ترى قول الأقرع بن حابس
للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: إنما بايعك سُرَّاق الحجيج من أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة. لكن
هؤلاء القبائل سبقوا للإسلام، وحَسُن بلاؤهم فيه، فشرَّفهم اللهُ تعالى به،
وفضَّلهم على مَن ليس بمؤمن من سادات العرب بالإسلام، وعلى من تأخر
إسلامُه بالسَّبق، كما شرَّف بلالًا، وعمّارًا، وصُهيبًا، وسلمان على صناديد
قريش، وعلى أبي سفيان ومعاوية وغيرهم من المؤلَّفة قلوبُهم كما تقدَّم،
فأعزَّ اللهُ بالإسلام الأذلاء، وأذلَّ به الأعزاءَ بحكمته الإلهية، وقسمته الأزلية:
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} [آل عمران: 26]، وعلى
هذا فقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "مزينة، وجهينة، وغفار، وأشجع، ومن كان من بني عبد الله
مواليَّ دون الناس" جَبْرٌ لهم مِنْ كَسْرهم، وتنويه بهم من خمولهم، وتفخيم لأمر
الإسلام وأهلِه، وتحقير لأهل الشرك، ولمن دخل في الإسلام ولم يُخلِص فيه؛
كالأقرع بن حابس، وغيره ممن كان على مثل حاله، وهذا التَفضيلُ، والتنويه
إنما ورد جوابًا لمن احتقر هذه القبائل بعد إسلامها، وتمسَّك بفخر الجاهلية