والحال أن أسماء بنت عميس عند حفصة - رضي الله عنهما -، (فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ:
مَنْ هَذِهِ؟ ) لعلها كانت من وراء الحجاب، أو نسيها لبُعد العهد بها. (قَالَتْ)
حفصة: هي (أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، قَالَ عُمَرُ) - رضي الله عنه -: (الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ، الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ)
بتقدير همزة الاستفهام فيهما، وفي رواية البخاريّ: قال عمر: "آلحبشية هذه،
البحيرية هذه"، بتصغير الثاني، قال في "الفتح": كذا لأبي ذرّ بالتصغير، ولغيره
"آلبحرية" بغير تصغير، وكذا في رواية أبي يعلي، ووقع في الموضعين بهمزة
الاستفهام، ونَسَبها إلى الحبشة؛ لسُكناها فيهم، وإلى البحر؛ لركوبها إياه (?).
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قول عمر - رضي الله عنه -: "الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ " نَسَبها
إلى الحبشة لمقامها فيهم، وللبحر لمجيئها فيه، وهو استفهامٌ قُصد به المطايبة،
والمباسطة، فإنه كان قد عَلِم مَن هي حين رآها. انتهى (?).
(فَقَالَتْ أَسْمَاءُ) بنت عُميس - رضي الله عنها -: (نَعَمْ) أنا الحبشيّة، البحريّة، (فَقَالَ
عُمَرُ) - رضي الله عنه -: (سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ)؛ أي: إلى المدينة، (فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مِنْكُمْ) لِنُصرتنا له في دار هجرته دونكم.
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: صدر هذا القول من عمر - رضي الله عنه - على جهة الفرح
بنعمة الله، والتحدُّث بها، لِمَا عَلِم من عظيم أجر السَّابق للهجرة، ورَفْعه درجته
على اللاحق، لا على جهة الفخر والترفع، فإنَّ عمر - رضي الله عنه - منزَّه عن ذلك، ولمّا
سمعت أسماء ذلك، غضبت غضبَ منافسة في الأجر وغيره على جهة السَّبق،
فقالت: كذبت يا عمر! أي: أخطأت في ظنك، لا أنَّها نَسَبَته إلى الكذب الذي
يأثم قائله، وكثيرًا ما يُطلق الكذب بمعنى الخطأ، كما قال عبادة بن
الصامت - رضي الله عنه -: كذب أبو محمد؛ لَمّا زَعَم أن الوتر واجب. انتهى (?).
(فَغَضِبَتْ) أسماء من قول عمر هذا، (وَقَالَتْ كَلِمَةً)؛ أي: تكلّمت بكلمة
مُفادها: (كَذَبْتَ يَا عُمَرُ)؛ أي: أخطأت، وقد استعملوا كذب بمعنى أخطأ
كثيرًا. (كَلَّا)؛ أي: انزجر، وارتدع مما قلت، وقال القرطبيّ: "كلا والله"؛
أي: لا يكون ذلك، فهي نفيٌ لِمَا قال، وزجْر عنه، وهذا أصل كلا، وقد تأتي