قال القرطبيّ: واستبعَدَ أن يكون عليه فراش، ويؤثِّر في ظهره؛ وإنَّما
يستبعد ذلك إذا كان الفراش كثيفًا، وثيرًا، ولم يكن فراش النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذلك،
فلا يستبعد. انتهى (?).
(وَقَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا، وَخَبَرِ
أَبِي عَامِرٍ، وَقُلْتُ لَهُ: قَالَ: قُلْ لَهُ: يَسْتَغْفِرْ لِي، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَتَوَضَّأَ
مِنْهُ). قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ظاهر هذا الوضوء: أنه كان للدُّعاء، إذ لَمْ يذكر
أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في ذلك الوقت بذلك الوضوء، ففيه ما يدلّ على مشروعية
الوضوء للدُّعاء، ولذِكر الله، كما تقدَّم من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إني كرهت أن أذكر الله
إلَّا على طهارة". انتهى (?).
(ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ)؛ أي: إلى السماء، (ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ") تصغير
عبد تصغير تلطّف، وحنان، وقوله: (أَبِي عَامِرٍ) بدل من "عبيد"، أو عطف
بيان. (حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ) فيه المبالغة في رفع اليدين عند الدعاء، (ثُمَّ
قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ)؛ أي: أبا عامر، (يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ)، أي:
في المرتبة، وفي رواية ابن عائذ: "في الأكثرين يوم القيامة". (أَوْ) للشكّ من
الراوي؛ أي: أو قال: (مِنَ النَّاسِ") بدل من "خلقك"، قال أبو موسى:
(فَقُلْتُ: وَلي)، أي: متعلّق بـ"استغفر"، (يَا رَسُولَ اللهِ، فَاسْتَغْفِرْ)؛ أي: اطلب
من الله تعالى أن يغفر ذنوبي، (فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ
ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا) بضمّ الميم، وفتحها؛ أي: محلًّا (كَرِيمًا")؛
أي: ذات كرامة، وتبجيل.
(قَالَ أَبُو بُرْدَةَ) الراوي عن أبي موسي، وهو موصول بالإسناد المذكور.
(إِحْدَاهُمَا)، أي: إحدى الدعوتين (لأَبِي عَامِرٍ، وَالأُخْرَى)، أي: الدعوة
الأخرى (لأَبِي مُوسَى) المعنى: أن أبا بُردة تيقّن بالدعوتين المذكورتين، لكنه
شكّ أيهما لأيّهما؟ ، وهذا لا يضرّ؛ لأنَّ معناهما متقاربان، والله تعالى
أعلم.