والأَوْلى أن يقال: إن الكمال المذكور في الحديث ليس مقصورًا على
كمال الأنبياء، بل يندرج معه كمال الأولياء، فيكون معنى الحديث: إن نَوْعَي
الكمال وُجد في الرجال كثيرًا، ولم يوجد منه في النساء المتقدِّمات على
زمانه - صلى الله عليه وسلم - أكمل من هاتين المرأتين، ولم يتعرض النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث
لأحد من نساء زمانه، إلا لعائشة خاصة، فإنَّه فضّلها على سائر النساء،
ويُستثنى منهن الأربع المذكورات في الأحاديث المتقدِّمة، وهنَّ: مريم بنت
عمران، وخديجة، وفاطمة، وآسية؛ فإنَّهن أفضل من عائشة، بدليل أحاديث
الباب، وبهذا يصحُّ الجمع، ويرتفع التعارض إن شاء الله تعالى. انتهى (?).
(وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ غَيْرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ) قال في
"الفتح": استُدِلّ بهذا الحصر على أنهما نبيّتان؛ لأن أكمل النوع الإنساني
الأنبياء، ثم الأولياء، والصديقون، والشهداء، فلو كانتا غير نبيّتين لَلَزم ألا
يكون في النساء وليّة، ولا صدّيقة، ولا شهيدة، والواقع أن هذه الصفات في
كثير منهنّ موجودة، فكأنه قال: ولم ينبّأ من النساء إلا فلانة وفلانة، ولو قال:
لم تثبت صفة الصدّيقية، أو الولاية، أو الشهادة إلا لفلانة وفلانة لم يصح؛
لوجود ذلك في غيرهنّ، إلا أن يكون المراد في الحديث كمال غير الأنبياء،
فلا يتم الدليل على ذلك لأجل ذلك، والله أعلم.
وعلى هذا فالمراد مَنْ تقدَّم زمانه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتعرض لأحد من نساء زمانه
إلا لعائشة، وليس فيه تصريح بأفضلية عائشة - رضي الله عنها - على غيرها؛ لأن فضل الثريد
على غيره من الطعام إنما هو لِمَا فيه من تيسير المؤنة، وسهولة الإساغة، وكان
أجلّ أطعمتهم يومئذ، وكل هذه الخصال لا تستلزم ثبوت الأفضلية له من كل
جهة، فقد يكون مفضولًا بالنسبة لغيره من جهات أخرى.
[تنبيه]: إنما أورد مسلم هذا الحديث في ترجمة خديجة - رضي الله عنهما -، وإن لم
يكن فيه ذِكرها، إشارة إلى ما ورد من زيادتها في بعض الروايات (?)، فقد ورد