رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (كَمَلَ) بتثليث الميم، قال الفيّوميّ رحمه الله: كَمَلَ الشيءُ كُمُولًا،
من باب قَعَدَ، والاسم الكَمَالُ، ويستعمل في الذوات، وفي الصفات، يقال:
كَمَلَ: إذا تمّت أجزاؤه، وكَمَلَت محاسنه، وكمَل الشهرُ؛ أي: كمل دوره،
وتَكَامَلَ تَكَامُلًا، واكتَمَلَ اكتِمَالًا، وكمَلَ من أبواب: قَرُب، وضَرَب، وتَعِبَ
أيضًا، لغاتٌ، لكن باب تَعِبَ أردؤها. انتهى (?).
(مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ) قال في "العمدة": المراد من الكمال: التناهي في
جميع فضائل الرجال (?).
وقال القاضي عياض رحمه الله في "المشارق": كمل؛ أي: انتهى في الفضل
نهاية التمام والكمال، دون نقص، وقيل: كمل في العقل؛ إذ قد وُصف النساء
بنقص ذلك. انتهى (?).
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "كَمَل من الرجال كثير. . . إلخ" الكمال: هو
التناهي والتمام، ويقال في ماضيه: "كمُل" بفتح الميم، وضمها (?)، ويكمُل في
مضارعه بالضم، وكمال كل شيء بحسبه، والكمال المطلق: إنما هو لله تعالى
خاصة، ولا شك أن أكمل نوع الإنسان: الأنبياء، ثم تليهم الأولياء؛ ويعني
بهم: الصدّيقين والشهداء والصالحين.
وإذا تقرر هذا، فقد قيل: إن الكمال المذكورد في الحديث يعني به:
النبوة، فيلزم أن تكون مريم وآسية نبيَّتين، وقد قيل بذلك، والصحيح: أن مريم
نبيَّة؛ لأنَّ الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملَك، كما أوحى إلى سائر النبيين،
وأما آسية، فلم يَرِد ما يدلّ على نبوتها دلالة واضحة، بل على صدّيقيتها
وفضيلتها، فلو صحَّت لها نبوّتها لَمَا كان في الحديث إشكال، فإنَّه يكون
معناه: أن الأنبياء في الرجال كثير، وليس في النساء نبيّ إلا هاتين المرأتين،
ومن عداهما من فضلاء النساء صدّيقات لا نبيَّات، وحينئذ يصحُّ أن تكونا
أفضل نساء العالمين.