الثاني. يقال: عَلَلٌ بعد نَهَلٍ، وعَلّه يعله: إذا سقاه السَّقية الثانية، وقال غيره:
سُمُّوا بذلك لأنهم أولاد ضرائر، والعلَّات الضرائر. وشتًى: مختلفون، ومنه
قوله تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14].
وقال القاضي أبو الفضل عياض: معناه: أن الأنبياء مختلفون في
أزمانهم، وبعضهم بعيد الوقت من بعض، فهم أولاد علَّات؛ إذ لم يجمعهم
زمان واحد، كما لم يجمع أولاد العلَّات بطن واحد، وعيسى -عَلَيْهِ السَّلامُ- لما كان
قريب الزمان منه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن بينهما نبي، كانا كأنهما في زمان واحد، فكانا
بخلاف غيرهما.
قال القرطبيّ: هذا أشبه ما قيل في هذا الحديث، ويستفاد منه: إبطال
قول من قال: إنه كان بعد عيسى -عَلَيْهِ السَّلامُ- أنبياء ورسل، فقد قال بعض الناس: إن
الحواريين كانوا أنبياء، وأنهم أُرسلوا إلى الناس بعد عيسى، وهو قول أكثر
النصارى. انتهى (?).
وقوله: (وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ)، أي: هم متفقون في توحيدهم، وأصول أديانهم،
وطاعتهم دئه تعالى، واتباعهم لشرائعه، والقيام بالحق، كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13]، ولم يُرِد فروع الشرائع؛
فإنَّهم مختلفون فيها كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى البحث فيه مستوفًى، ولله الحمد والمنّة.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رَحِمَهُ اللهُ- أوّلَ الكتاب قال:
[6115] (2366) - (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى،
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا
مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ، إِلَّا نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ، فَيَسْتَهِلّ صَارِخاً مِنْ نَخْسَةِ الشيْطَانِ، إِلَّا ابْنَ
مَرْيَمَ، وَأُمَّهُ"، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36]).