شرح الحديث:
عن رَافِعِ بْنِ خَدِيج - رضي الله عنه - أنه (قَالَ: قَدِمَ) بكسر الدال، (نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
الْمَدِينَةَ)؛ أي: مهاجراً من مكة، وقوله: (وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْلَ) جملة حاليّة،
وضمير "هم" لأهل المدينة؛ أي: والحال أنهم يأبرون النخل -بكسر الباء،
وضمّها- يقال منه: أَبَرَ يَأبِرُ، وَيأبُرُ، كبَذَرَ يَبْذِر، ويَبْذُر، ويقال: أَبَّر يُؤَبِّر
بالتشديد تأبيراً، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ- (?).
وقال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَبَرْتُ النَّخْلَ أَبْراً، من بَابَي ضرب، وقتل: لقَّحْتُه،
وأُبَّرْتُهُ تَأْبيراً مبالغة وتكثير، والأَبُور وِزَانُ رسول: ما يُؤَبَّر به، والإِبَارُ وزانُ
كِتاب: النَّخْلَةُ التي يُؤَبَّر بطَلْعِها، وقيل: الإِبَارُ أيضاً مصدر؛ كالقيام، والصيام،
وتأبَّر النخل قَبِلَ أن يُؤَبَّر، قال أبو حاتم السِّجستانيّ في "كتاب النخلة": إذا
انْشَقَّ الكافور، قيل: شَقَّق النخلُ، وهو حين يُؤَبَّرُ بالذَّكَر، فَيُؤْتَى بشمَاريخه،
فَتُنْفَضُ، فيطِيُر غُبارهُا، وهو طَحِين شماريخِ الفُحَّال إلى شماريخِ الأنثى، وذلك
هو التَّلقيحُ. انتهى (?).
وقد فسّر "يأبرون" بقوله: (يَقُولُ) هكذا في النسخة الهنديّة، وهو
الصحيح، والضمير لرافع، كما هو الظاهر، ويَحْتَمِل أن يكون لغيره، ووقع في
معظم النسخ بلفظ: "يقولون"، والظاهر أنه غلط، فتنبّه.
والمعنى: أن رافعاً يقول مفسّرأ لقوله: "يأبرون النخل": (يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ)
من التلقيح، أو الإلقاح، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء الناس ("مَا تَصْنَعُونَ؟ "، قَالُوا: كُنَّا
نَصْنَعُهُ)؛ أي: كنّا نصنع هذا قبل أن تأتينا، فهو من العادات المستمرّة لدينا.
(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْراً")؛ أي: ليكون اعتمادكم على فضل الله
تعالى، لا على صنيعكم هذا، فإنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أجرى سُنَته في سائر النباتات بإثمارها
دون التلقيح، فلعلّ هذا أيضاً مثلها، (فَتَرَكُوهُ) اعتماداً على توجيهه - صلى الله عليه وسلم - (فَنَفَضَتْ،
أَوْ فَنَقَصَتْ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هو بفتح الحروف كلها، والأول بالفاء، والضاد
المعجمة، والثاني بالقاف، والصاد المهملة، وأما قوله في آخر الحديث: "قال
الْمَعْقِريّ: فنفضت" فبالفاء، والضاد المعجمة، ومعناه: أسقطت ثمرها، قال