"عائذٌ" بالرفع؛ أي: أنا عائذ؛ أي: مستجير، والفتن: جمع فتنة، وقد تقدَّم أن
أصلها الاختبار، وأنها تنصرف على أمور متعددة، ويعني بها هنا: المحن،
والمشقات، والعذاب، ولذلك قال: "من سوء الفتن"؛ أي: من سيئها،
ومكروهها، ولما قال ذلك عمر - رضي الله عنه -، وضَمَّ إلى ذلك قوله: "إنا نتوب
إلى الله"؛ كما جاء في الرواية الأخرى، سكن غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أخذ
يُحدّثهم بما أطلعه الله عليه من أمور الآخرة، فقال: "لم أر كاليوم قطّ في
الخير والشر" هذا الكلام محمول على الحقيقة، لا التوسع، والمجاز: فإنَّه لا
خير مثل خير الجنَّة، ولا شرَّ مثل شرّ النار. انتهى (?).
وقال في "العمدة": إنما قال عمر - رضي الله عنه - ذلك؛ إكراماً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
وشفقةً على المسلمين؛ لئلا يؤذوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالتكثير عليه، وفيه أن غضب
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس مانعاً عن القضاء؛ لكماله، بخلاف سائر القضاة، وفيه فَهْمُ
عمر - رضي الله عنه -، وفضل علمه؛ لأنه خَشِي أن تكون كثرة سؤالهم كالتعنت له، وفيه
أثه لا يُسأل العالم إلا عند الحاجة. انتهى (?).
(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ)؛ أي: مثل هذا اليوم (قَطُّ)؛ أي:
في الزمان الماضي، قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قطّ": هي الظرفية الزمانية، ورويناها
مفتوحة القاف، مضمومة الطاء مشدَّدة، وهي إحدى لغاتها، وتقال بالتخفيف،
وتقال بضمّ القاف على إتباع حركتها لحركة الطاء، وذلك مع التشديد،
والتخفيف، فأمَّا "قَطْ" بمعنى: حَسْبُ، فبتخفيف الطاء، وسكونها، وقد تزاد
عليها نون بعدها، فيقال: قَطْني، وقد تحذف النون، فيقال: قطي، وقد تحذف
الياء، فيقال: قَطِ، بكسر الطاء، وقد تبدل من الطاء دال مهملة، فيقال: قد،
ويقال على تلك الأوجه كلها، كله من "الصحاح". انتهى (?).
(فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، إِنِّي صُوِّرَتْ) بالبناء للمفعول؛ أي: مُثّلت الِيَ الْجَنَّةُ
وَالنَّارُ، فَرَأَيْتُهُمَا دُونَ هَذَا الْحَائِطِ")، يعني: بينه وبين الحائط الذي أمامه - صلى الله عليه وسلم -.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "صوِّرت لي الجنة والنار فرأيتهما دون هذا