(قَالَ) أنس - رضي الله عنه - (فَقَامَ عُمَرُ) بن الخطّاب - رضي الله عنه - (فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا،
وَبِالاسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا)، وفي الرواية التالية: "وبمحمد رسولًا"، وفي
رواية قتادة من الزيادة: "نعوذ بالله من شرّ الفتن"، وفي مرسل السّدّيّ عند
الطبريّ في نحو هذه القصة: "فقام إليه عمر، فقبّل رجله، وقال: رضينا بالله
ربًّا ... "، فذكر مثله، وزاد: "وبالقرآن إمامًا، فاعف عفا الله عنك، فلم يزل به
حتى رضي".
قال ابن بطال - رَحِمَهُ اللهُ -: فَهِم عمر منه أن تلك الأسئلة (?) قد تكون على سبيل
التعنت أو الشك، فخشي أن تنزل العقوبة بسبب ذلك، فقال: "رضينا بالله
ربًّا ... إلخ"، فَرَضِيَ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، فسكت. انتهى (?).
وقال في "العمدة": قوله: "فقال: رضينا بالله" معناه: رضينا بما عندنا
من كتاب الله، وسُنَّة نبيناء - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واكتفينا به عن السؤال أبلغ كفاية، وقوله هذه
المقالة إنما كان أدبًا، وإكرامًا لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشفقةً على المسلمين؛ لئلا
يؤذوا النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيدخلوا تحت قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)} [الأحزاب: 57].
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان قوم يسألون رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استهزاءً، فيقول
الرجل: من أبي؟ ، ويقول الرجل تَضِلّ ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله تعالى فيهم
هذه الآية.
[فإن قلت]: بماذا نُصِب "ربًّا، ودينًا، ونبيًّا"؟ .
[قلت]: على التمييز، وهو وإن كان الأصل أن يكون في المعنى فاعلًا
يجوز أن يكون مفعولًا أيضًا؛ كقوله تعالى: " {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: 12]،
ويجوز أن يكون نصبها على المفعولية؛ لأنَّ "رَضِي" إذا عُدِّي بالباء يتعدى إلى
مفعول آخر.
والمراد من الدين ههنا التوحيد، وبه فسَّر الزمخشريّ في قوله تعالى:
{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا} الآية [آل عمران: 85]؛ يعني: التوحيد.
وأما في حديث عمر - رضي الله عنه - قال: "بينما نحن عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم؛