لتركتم الضحك، ولم يقع منكم؛ لغلبة الخوف، واستيلاء الحزن عليكم.

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه أن الجَنَّة والنار مخلوقتان، وقد سبق شرح

عرضهما، ومعنى الحديث: لَمْ أر خيرًا أكثر مما رأيته اليوم في الجَنَّة، ولا

شرًّا أكثر مما رأيته اليوم في النار، ولو رأيتم ما رأيت، وعلمتم ما علمت مما

رأيته اليوم، وقبل اليوم، لأشفقتم إشفاقًا بليغًا، ولقلّ ضحككم، وكثر بكاؤكم.

وفيه دليل على أنَّه لا كراهة في استعمال لفظة "لو" في مثل هذا، والله

أعلم. انتهى (?).

وقال المناويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "لو تعلمون ما أعلم"؛ أي: من عِظَم انتقام الله

من أهل الجرائم، وأهوال القيامة، وأحوالها ما علمته، لَمَا ضحكتم أصلًا

المعبَّر عنه بقوله: "لضحكتم قليلًا"؛ إذ القليل بمعنى: العديم على ما يقتضيه

السياق؛ لأنَّ "لو" حرف امتناع لامتناع، وقيل: معناه: لو تعلمون ما أعلم مما

أُعِدّ في الجَنَّة من النعيم، وما حُفَّت به من الحُجُب، لَسَهُل عليكم ما كُلِّفتم

به، ثم إذا تأملتم ما وراء ذلك من الأمور الخطرات، وانكشاف المعظمات يوم

العرض على فاطر السماوات، لاشتد خوفكم، ولبكيتم كثيرًا، فالمعنى مع

البكاء لامتناع عِلْمكم بالذي أعلم، وقدَّم الضحك لكونه من المسرة، وفيه من

أنواع البديع مقابلة الضحك بالبكاء، والقلة بالكثرة، ومطابقة كلّ منهما بالآخر،

قيل: الخطاب إن كان للكفار فليس لهم ما يوجب ضحكًا أصلًا، أو للمؤمنين

فعاقبتهم الجَنَّة، وإن دخلوا النار فما يوجب البكاء؟

فالجواب أن الخطاب للمؤمن، لكن خرج الخبر في مقام ترجيح الخوف

على الرجاء. انتهى (?).

وقال في "الفتح": "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا"

دلالة على اختصاصه بمعارف بصرية، وقلبية، وقد يُطلِع الله عليها غيره من

المخلصين من أمته، لكن بطريق الإجمال، وأما تفاصيلها فاختُصّ بها

النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد جَمَع الله له بين علم اليقين، وعين اليقين، مع الخشية القلبية،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015