الرواية الأخرى: "ما بال رجال يرغبون عما رُخِّص لي فيه؟ "، ولعل هذا من

عائشة -رضي الله عنها- إشارة لحديث النَّفر الذين استقلُّوا عبادة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال أحدهم:

أما أنا فأصلي، ولا أنام، وقال الآخر: وأنا أصوم، ولا أفطر، وقال الآخر:

وأنا لا أنكح النساء، فلما بلغ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ذلك، قال: "وأما أنا فأصلي، وأنام،

وأصوم، وأُفطر، وأنكح النساء، فمن رغب عن سُنَّتي فليس مني"، وقد تقدَّم

في "النكاح". انتهى (?).

قال الجامع عفا الله عنه: لم يُذكر في الرواية تعيين الأمر الذي ترخّص

فيه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وتنزّهوا عنه، إلا أن ابن بطال رَحِمَهُ اللهُ أومأ إلى أنه القبلة للصائم،

وقال غيره: لعله الفطر في السفر، ذكره في "الفتح" (?)، ولم يذكر مستنَد ذلك.

ثم رأيت الحافظ قال في "الفتح" في موضع آخر: ولم أعرف أعيان القوم

المشار إليهم في هذا الحديث، ولا الشيء الذي ترخص فيه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ثم

وجدت ما يمكن أن يُعْرَف به ذلك، وهو ما أخرجه مسلم في "كتاب الصيام"

من وجه آخر عن عائشة -رضي الله عنها-: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إني أصبح جنبًا،

وأنا أريد الصيام، فأغتسل، وأصوم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وأنا تدركني

الصلاة، وأنا جنب، فأصوم"، فقال: يا رسول الله، إنك لست مثلنا، قد

غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال: "إني

أرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي".

وفي حديث أنس -رضي الله عنه-: "أن ثلاثة رهط سألوا عن عمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

في السرّ ... " الحديث، وفيه قولهم: وأين نحن من النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؟ قد غفر الله له

ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، وفيه قوله لهم: "والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم

له، لكني أصوم، وأفطر، وأصلي، وأرقد، وأتزوج النساء" (?).

(فَبَلَغَ ذَلِكَ نَاسًا) لم تُعرف أسماؤهم كما مرّ آنفًا. (مِنْ أَصْحَابِهِ) -صلى الله عليه وسلم-

(فَكَأَنَّهُمْ كَرِهُوهُ)؛ أي: ما ترخّص فيه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، (وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ)؛ أي: باعدوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015